عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٥٥١
وبقي كذلك مدة حتى مكن من تبطيل الخدمة وصرف من النظر الذي كان في يده ثم إنه سافر إلى ديار مصر وأقام بالقاهرة في الجامع الأزهر بها وكان يكتب في كل سنة إقليدس والمجسطي ويبيعهما ويقتات من ذلك الثمن ولم تزل هذه حاله إلى أن توفي رحمه الله ووجدت الصاحب جمال الدين أبا الحسن بن القفطي قد ذكر أيضا عن ابن الهيثم ما هذا نصه قال أنه بلغ الحاكم صاحب مصر من العلويين وكان يميل إلى الحكمة خبره وما هو عليه من الإتقان لهذا الشأن فتاقت نفسه إلى رؤيته ثم نقل له عنه أنه قال لو كنت بمصر لعملت في نيلها عملا يحصل به النفع في كل حالة من حالاته من زيادة ونقص فقد بلغني أنه ينحدر على موضع عال هو في طرف الإقليم المصري فازداد الحاكم إليه شوقا وسير إليه سرا جملة من المال وأرغبه في الحضور فسار نحو مصر ولما وصلها خرج الحاكم للقائه والتقيا بقرية على باب القاهرة المعزية تعرف بالخندق وأمر بإنزاله وإكرامه واحترامه وأقام ريثما استراح وطالبه بما وعد به من أمر النيل فسار ومعه جماعة من الصناع المتولين للعمارة بأيديهم ليستعين بهم على هندسته التي خطرت له ولما سار إلى الإقليم بطوله ورأى آثار من تقدم من ساكنيه من الأمم الخالية وهي على غاية من أحكام الصنعة وجودة الهندسة وما اشتملت عليه من أشكال سماوية ومقالات هندسية وتصوير معجزة تحقق أن الذي يقصده ليس بممكن فإن من تقدمه في الصدور الخالية لم يغرب عنهم علم ما عمله ولو أمكن لفعلوه فانكسرت همته ووقف خاطره ووصل إلى الموضع المعروف بالجنادل قبلي مدينة أسوان وهو موضع مرتفع ينحدر منه النيل فعاينه وباشره واختبره من جانبيه فوجد أمره لا يمشي على موافقة مراده وتحقق الخطأ والغلبة عما وعد به وعاد خجلا ومنخذلا واعتذر بما قبل الحاكم ظاهره ووافقه عليه ثم إن الحاكم ولاه بعض الدواوين فتولاها رهبة لا رغبة وتحقق الغلط في الولاية فإن الحاكم كان كثير الاستحالة مريقا للدماء بغير سبب أو بأضعف سبب من خيال يتخيله فأجال فكرته في أمر يتخلص به فلم يجد طريقا إلى ذلك إلا إظهار الجنون والخبال فاعتمد ذلك وشاع فأحيط على موجوده له بيد الحاكم ونوابه وجعل برسمه من يخدمه ويقوم بمصالحه وقيد وترك في موضع من منزله ولم يزل على ذلك إلى أن تحقق وفاة الحاكم وبعد ذلك بيسير أظهر العقل وعاد إلى ما كان عليه وخرج عن داره واستوطن قبة على باب الجامع الأزهر أحد جوامع القاهرة وأقام بها متنسكا متعزيا مقتنعا وأعيد إليه ماله من تحت يد الحاكم واشتغل بالتصنيف والنسخ والإفادة وكان له خط قاعدته في غاية الصحة كتب به الكثير من علوم الرياضة قال وذكر لي يوسف الفاسي الإسرائيلي الحكيم بحلب قال سمعت أن ابن الهيثم كان ينسخ في مدة سنة ثلاثة كتب في ضمن اشتغاله وهي أقليدس والمتوسطات والمجسطي ويستكملها في مدة السنة فإذا شرع في نسخها جاءه من يعطيه فيها مائة وخمسين دينارا مصرية وصار ذلك
(٥٥١)
مفاتيح البحث: جمال الدين (1)، الوفاة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 546 547 548 549 550 551 552 553 554 555 556 ... » »»