رأوا ذلك عيانا فبهتوا في ذلك الوقت ولزموا الصمت واكسبني ذلك من قلوبهم البغضة ولقبوني البديع القول حضرت مرة أخرى مريضا وقد ظهرت فيه علامات بينة جدا تدل على الرعاف فلم اكتف بأن أنذرت بالرعاف حتى قلت أنه يكون من الجانب الأيمن فلامني من حضر ذلك من الأطباء وقالوا حسبنا ليس بنا حاجة إلى أن تبين لنا فقلت لهم واراكم مع ذلك انكم عن قريب سيكثر اضطرابكم ويشتد وجلكم من الرعاف الحادث لأنه سيعسر احتباسه وذلك أني لست أرى طبيعته تقوى على ضبط المقدار إلي يحتاج اليه من الاستفراغ والوقوف عنده فكان الامر على ما وصفته ولم يقدر أولئك الأطباء على حبس الدم لأنهم لم يعلموا من اين ابتدأ حين ابتدأت حركته وقطعته أنا بأهون السعي فسماني أولئك الأطباء البديع الفعل وحكى أيضا من هذا الجنس مما يدل على براعته وقوته في صناعة الطب في كتابه هذا ما هذه حكايته قال وقد حضرت مرة مع قوم من الأطباء مريضا قد اجتمعت عليه نزلة مع ضيق نفس فتركت أولئك الأطباء أولا يسقونه الأدوية التي ظنوا انه ينتفع بها فسقوه أولا بعض الأدوية التي تنفع من السعال والنزلة وهذه الأدوية تشرب عند طلب المريض النوم وذلك انها تجلب طرفا من السبات حتى أنها تنفع من به ارق وسهر فنام ليلته تلك بأسرها نوما ثقيلا وسكن عنه السعال وانقطعت عنه النزلة إلا أنه جعل يشكو ثقلا يجده في آلة النفس واصابه ضيق شديد في صدره ونفسه فرأى الأطباء عند ذلك أنه لا بد من أن يسقوه شيئا مما يعين على نفث ما في رئته فلما تناول ذلك قذف رطوبات كثيرة لزجة ثم أن السعال عاوده في الليلة القابلة وسهر وجعل يحس بشيء رقيق ينحدر من رأسه إلى حلقه وقصبة رئته فاضطروا في الليلة القابلة ان يسقوه ذلك الدواء المنوم فسكن عنه عند ذلك النزلة والسعال والسهرة الا ان نفسه ازداد ضيقا وساءت حاله في الليلة القابلة سوءا فلم تجد الأطباء معه بدا من أن يسقوه بعض الأدوية الملطفة المقطعة لما في الرئة فلما أن شرب ذلك نقيت رئته إلا أنه عرض له من السعال ومن كثرة الربو ومن الارق بسببهما ما لم يقو على احتماله فلما علمت أن الأطباء قد تحيروا ولم يبق عندهم حيلة سقيته بالعشي دواء لم يهج به سعالا ولا نزلة وجلب له نوما صالحا وسهل عليه قذف ما في رئتيه وسلكت بذلك المريض هذه الطريق فأبرأته من العلتين جميعا في أيام يسيرة على أنهما علتان متضادتان فيما يظهر ويتبين من هذا لمن يريده ان من قال من الأطباء انه لا يمكن ان يبرأ بدواء مرضان متضادان لم يصب وأنا أول من استخرج استعمال هذه الأدوية واستعمال الأدوية التي تعالج بها القرحة العارضة في الرئة من قبل نزلة تنحدر اليهما من الرأس وغير ذلك من أدوية كثيرة سأبين طريق استعمالها في كتاب تركيب الأدوية وقال جالينوس في كتابه في أن الأخيار من الناس قد ينتفعون بأعدائهم من شرح حاله ما هذا نصه قال فاني لم أطلب من أحد من تلاميذي أجرة ولا من مريض من المرضى الذين أعالجهم
(١٢٨)