وقال المبشر بن فاتك إن من جملة ما احترق لجالينوس في هذا الحريق كتاب روفسي في الترياقات والسموم وعلاج المسمومين وتركيب الأدوية بحسب العلة والزمان وإن من عزته عنده كتبه في ديباج أبيض بقز أسود وأنفق عليه جملة كثيرة أقول وبالجملة فإن لجالينوس اخبارا كثيرة جدا وحكايات مفيدة لمن يتأملها ونبذا ونوادر متفرقة في خلال كتبه وفي أثناء الأحاديث المنقولة عنه وقصصا كثيرة مما جرى له في مداواة المرضى مما يدل على قوته وبراعته في صناعة الطب لم يتهيأ لي حينئذ أن اذكر جميع ذلك في هذا الموضع وفي عزمي أن أجعل لذلك كتابا مفردا ينتظم كل ما أجده مذكورا من هذه الأشياء في سائر كتبه وغيرها أن شاء الله تعالى وقد ذكر جالينوس في فينكس كتبه انه صنف مقالتين وصف فيهما سيرته فأما العلاجات البديعة التي حصلت لجالينوس ونوادره في تقدمه المعرفة التي تفرد بها عندما تقدم فأنذر بحدوثها فكانت على ما وصفه فأنا وجدناه قد ذكر من ذلك جملا في كتاب مفرد كتبه إلى أفيجانس ووسمه بكتاب نوادر تقدمة المعرفة وهو يقول في كتابه هذا أن الناس كانوا يسموني أولا لجودة ما يسمعونه مني في صناعة الطب المتكلم بالعجائب فلما ظهرت لهم المعجزات التي كانوا يجدونها في معالجتي سموني الفاعل للعجائب وقال في كتابه في محنه الطبيب الفاضل ما هذه حكايته قال ولم اعلم أحدا ممن بالحضرة الا وقد علم كيف داوينا الرجل الذي كان يضره كل شياف يكتحل به حتى برأ وكانت في عينه قرحة عظيمة مؤلمة وكان مع ذلك الغشاء العنبي قد نتأ فتأنيت لذلك حتى سكن والقرحة حتى اندملت من غير أن استعمل فيها شيئا من الشيافات فاقتصرت على أني كنت اهيىء له في كل يوم ثلاثة مياه أحدها ماء قد طبخت فيه حلبة والآخر ماء قد طبخت فيه وردا والآخر ماء قد طبخت فيه زعفرانا غير مطحون وقد رأى جميع الأطباء الذين بالحضرة وأنا استعمل هذه المياه فلم يقدر أحد منهم أن يتمثل استعمالي إياها وذلك لأنهم لا يعرفون الطريق ولا المقدار الذي يحتاج ان يقدر في كل يوم من كل واحد من هذه المياه على حسب ما تحتاج اليه العلة وذلك أن تقدير ما كان لتلك المياه عند شدة الوجع وغلبته بنوع وعند تقور النتوء بنوع وعند كثيرة الوسخ في القرحة أو الزيادة في عفنها بنوع ولم استعمل شيئا سوى هذه المياه وبلغت إلى ما أردت من سكون نتوء الغشاء العنبي الذي كان نتأ وتسكين الوجع وتنقية القرحة في وقت ما كان الوسخ كثيرا فيها وانبات اللحم فيها في وقت ما كانت عميقة واندمالها في وقت ما امتلأت ولست اخلو في يوم من الأيام من أن أبين من مبلغ الحذق بهذه الصناعة ما هذا مقداره في العظم أو شبيه به وأكثر من يرى هذه من الأطباء لا يعلم أين هو مكتوب فضلا عما سوى ذلك وبعضهم إذ رأى ذلك لقبني البديع الفعل وبعضهم البديع القول مثل قوم من كبار أطباء رومية حضرتهم في أول دخلة دخلتها عند فتى محموم وهم يتناظرون في فصده ويختصمون في ذلك فلما أن طال كلامهم قلت لهم أن خصومتكم فضل والطبيعة عن قريب ستفجر عرقا ويستفرغ من المنخرين الدم الفاضل في بدن هذا الفتى فلم يلبثوا أن
(١٢٧)