عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ١٢٣
إلى فم المعدة ومن تلك الشعبة تنال المعدة كلها الحس إلا أن أكثر ما في المعدة حسا فمها لكثرة ما ينبت من تلك العصبة التي فيها وشعبة يسيرة من كل واحدة من هاتين العصبتين تحرك واحدة من آلات الصوت ولذلك ذهب صوت ذلك الرجل وشهوته فلما علمت ذلك وضعت على رقبته دواء مسخنا فبرأ في ثلاثة أيام وما أحد رأى هذا الفعل مني ثم صبر لأن يسمع مني الرأي الذي أداني إلى علاجه الأعجب إلا وعلم أن بالأطباء إلى التشريح أعظم الحاجة وقال جالينوس في كتابه في الأمراض العسرة البرء أنه كان مارا بمدينة رومية إذ هو برجل خلق حوله جماعة من السفهاء وهو يقول أنا رجل من أهل حلب لقيت جالينوس وعلمني علومه اجمع وهذا دواء ينفع من الدود في الأضراس وكان الخبيث قد أعد بندقا من قار وقطران وكان يضعها على الجمر ويبخر بها صاحب الأضراس المدودة بزعمه فلا يجد بدا من غلق عينيه فإذا أغلقهما دس في فمه دودا قد أعدها في حق ثم يخرجها من فم صاحب الضرس فلما فعل ذلك ألقى إليه السفهاء بما معهم ثم تجاوز ذلك حتى قطع العروق على غير مفاصل قال فلما رأيت ذلك أبرزت وجهي للناس وقلت أنا جالينوس وهذا سفيه ثم حذرت منه واستعديت عليه السلطان فلطمه ولذلك ألف كتابا في أصحاب الحيل وقال جالينوس في كتاب قاطاجانس أنه دبر في الهيكل بمدينة رومية في نوبة الشيخ المقدم الذي كان في الهيكل الذي كان يداوي الجرحى وذلك الهيكل هو البيمارستان فبرأ كل من دبره من الجرحى قبل غيرهم وبان بذلك فضله وظهر علمه وكان لا يقنع من علم الأشياء بالتقليد دون المباشرة قال المبشر بن فاتك وسافر جالينوس إلى أثينية ورومية والإسكندرية وغيرها من البلاد في طلب العلم وتعلم من أرمنيس الطب وتعلم أولا من أبيه ومن جماعة مهندسين ونحاة الهندسة واللغة والنحو وغير ذلك ودرس الطب أيضا على امرأة اسمها قلاوبطر وأخذ عنها أدوية كثيرة ولا سيما ما تعلق بعلاجات النساء وشخص إلى قبرس ليرى القلقطار في معدنه وكذلك شخص إلى جزيرة لمنوس ليرى عمل الطين المختوم فباشر كل ذلك بنفسه وصححه برؤيته وسافر أيضا إلى مصر وأقام بها مدة فنظر عقاقيرها ولا سيما الأفيون في بلد أسيوط من أعمال صعيدها ثم خرج متوجها منها نحو بلاد الشام راجعا إلى بلده فمرض في طريقه ومات بالفرما وهي مدينة على البحر
(١٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 ... » »»