ثم قال: يا بن عباس، اطلب لي حولنا بعر الظباء، فوالله ما كذبت ولا كذبت ولا كذبني قط، وهي مصفرة، لونها لون الزعفران.
قال ابن عباس: فطلبتها فوجدتها مجتمعة، فناديته: يا أمير المؤمنين قد أصبتها على الصفة التي وصفتها. فقال علي: صدق الله وصدق رسوله. ثم قام يهرول إلينا فحملها وشمها، فقال: هي هي بعينها، أتعلم يا بن عباس ما هذه الأباعر؟ هذه قد شمها عيسى بن مريم، وقال: هذا الطيب لمكان حشيشها - وتكلم بكل ما قدمناه إلى أن قال: - اللهم فابقها أبدا حتى يشمها أبو ه فتكون له عزاء.
قال: فبقيت إلى يوم الناس هذا، ثم قال علي: اللهم يا رب عيسى بن مريم، لا تبارك في قتلته، والحامل عليه، والمعين عليه، والخاذل له. ثم بكى طويلا، فبكينا معه حتى سقط لوجهه مغشيا عليه.
ثم أفاق وأخذ البعر وصره في ردائه، وأمرني أن أصرها كذلك. ثم قال: إذا رأيتها تنفجر دما عبيطا فاعلم أن أبا عبد الله قد قتل بها ودفن.
قال ابن عباس: لقد كنت أحفظها، ولا أحلها من طرف كمي، فبينا أنا في البيت نائم وقد خلا عشر المحرم إذ انتبهت فإذا تسيل دما، فجلست وأنا باك فقلت: قتل الحسين، وذلك عند الفجر، فرأيت المدينة كأنها ضباب، ثم طلعت الشمس وكأنها منكسفة، وكأن على الجدران دما، فسمعت صوتا يقول وأنا باك:
اصبروا آل الرسول * قتل الفرخ البجول نزل الروح الأمين * ببكاء وعويل ثم بكى وبكيت، ثم حدثت الذين كانوا مع الحسين، فقالوا: