معرفة المبدأ والمعاد. والطريق إلى هذه المعرفة من وجهين أحدهما طريقة أهل النظر والاستدلال وثانيهما طريقة أهل الرياضة والمجاهدات والسالكون للطريقة الأولى ان التزموا ملة من ملل الأنبياء عليهم السلام فهم المتكلمون والأفهم الحكماء المشاؤن [1] والسالكون إلى الطريقة الثانية ان وافقوا في رياضتهم احكام الشرع فهم الصوفية والأفهم الحكماء الاشراقيون فلكل طريقة طائفتان وحاصل الطريقة الأولى الاستكمال بالقوة النظرية والترقي في مراتبها الأربعة أعني مرتبة العقل الهيولاني والعقل بالفعل والعقل بالملكة والعقل المستفاد والأخيرة هي الغاية القصوى لكونها عبارة عن مشاهدة النظريات التي أدركتها النفس بحيث لا يغيب عنها شئ ولهذا قيل لا يوجد المستفاد لاحد في هذه الدار بل في دار القرار اللهم الا لبعض المتجردين عن علائق البدن والمنخرطين في سلك المجردات وحاصل الطريقة الثانية الاستكمال بالقوة العملية والترقي في درجاتها التي أولها تهذيب الظاهر باستعمال الشرائع والنواميس الإلهية وثانيها تهذيب الباطن عن الأخلاق الذميمة وثالثها تحلى النفس بالصور القدسية الخالصة عن شوائب الشكوك والأوهام ورابعها ملاحظة جمال الله سبحانه وتعالى وجلاله وقصر النظر على كماله والدرجة الثالثة من هذه القوة وان شاركتها المرتبة الرابعة من القوة النظرية في أنها تفيض على النفس منها صور المعلومات على سبيل المشاهدة كما في العقل المستفاد الا انها تفارفها من وجهين أحدهما ان الحاصل في المستفاد لا يخلو عن الشبهات الوهمية لان الوهم له استيلاء في طريق المباحثة بخلاف تلك الصور القدسية فان القوى الحسية قد سخرت هناك للقوة العقلية فلا تنازعها فيما تحكم به وثانيهما ان الفائض في الدرجة الثالثة قد تكون صورا كثيرا استعدت النفس بصفائها عن الكدورات وصقالتها عن أوساخ التعلقات لان تفيض تلك الصور عليها كمرآة صقلت وحوذي بها ما فيه صور كثيرة فإنه يتراأي فيها ما يتسع (تسع) هي من تلك الصور الفائض عليها في العقل المستفاد هو العلوم التي تناسب تلك المبادى التي. تبت معا للتأدي إلى مجهول كمرآة صقل شئ يسير منها فلا يرتسم فيها الا شئ قليل من الأشياء المحاذية لها قال ابن خلدون في المقدمة واما العلوم العقلية التي هي طبيعة للانسان من حيث إنه ذو فكر فهي غير مختصة بملة بل يوجد النظر فيها لأهل الملل كلهم ويستوون في مداركها ومباحثها وهى
(٦٧٨)