الفتنة وأعاد أم المؤمنين إلى بيتها في حماية أربعين حارسا أوصلوها سالمة ولم يكن هؤلاء الجنود الا نساء من فتيات قريش تزيوا بزي الرجال مراعاة لحرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان على رأسهم أخوها محمد بن أبي بكر، فلما اكتشفت أم المؤمنين ذلك أطرقت برأسها قائله: لقد أبى أبو الحسن الا ان يكون عليا.
وبعد شهر من هذه الواقعة بدا يوم صفين مكشرا أنيابه، وكانت نهاية هذه الموقعة أسوأ من بدايتها فقد انتهت بخدعة التحكيم المشهورة، اما الخوارج فقد حكموا على الإمام علي بالكفر وقتله أحدهم وهو عبد الرحمن بن ملجم الذي الحقه الله بعاقر ناقة ثمود في النار بجريمته النكراء وفعلته الشنعاء.
وتولى الخلافة بعده ابنه الحسن بن علي الذي ما لبث ان تركها غير آسف عليها تاركا أعباءها لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه الذي لم تصح له الخلافة الا بعد تنازل الحسن عنها له، وكان قد اخذ البيعة من أهل الحل والعقد كما بويع لأبيه الإمام علي من قبل وصدقت نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به عن الحسن حيث قال: " ان ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين " وهكذا أصبحت الخلافة ملكا عضوضا على يد معاوية الذي ورثها لابنه اليزيد، واجبر الناس على بيعته في حياته لا ينازعه في ملكة منازع من بعده ولسنا نقول بان الخبر الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم عن الملك العضوض حين يفيد انتقاصا من قدر الملوك فإنه غالبا ما يكون فيهم الحزم والكياسة إلى جانب الشدة والعنف، وها هو داود وابنه سليمان كانا رسولين ملكين، وكان الملك والجاه والسلطان خير السند لرسالتهما، كما كانت ملكة سبا من خير ملكات العالم بما أوتيت من الحكمة والرشاد حيث حكمت اليمن وقادت الجيوش الجرارة حتى إذا دعيت للاسلام قادت شعبها وجيشها إلى دخول في طاعة سليمان قائله: " أسلمت مع سليمان لله رب العالمين " وهذه الأرض يعيش عليها الان ملوك يقودون شعوبهم متجهين بهم إلى السير في ركب الحضارة الانسانية بما أوتوا من الحنكة والتجربة وعراقة الأصل وسلامة الدين.
هذا وما زالت اثار الصحابة والخلفاء قائمة بين دول الاسلام بما خلفوه من علم وفهم لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وستظل باقية حتى يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.