تم ذلك كله في غضون عامين مدة خلافة الصديق رضي الله عنه، ثم ورع الحياة راضيا مرضيا ليحتمل الراية من بعده الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذلك الذي وضع منهجا للدولة الاسلامية يحوي التنظيمات الإدارية، فدون الدواوين كديوان العطاء، وديوان الجند، وديوان الاستيفاء، كما أوجد مصادر للدخل بما أفاء الله على جيوشه من ثروات الدولة الفارسية والبيزنطية إلى جانب الزكاة والخراج والجزية ونظم القضاء بصفة، ولم يكن هو وصاحبه في سلوكهما هذا على بدع من القول أو الفعل، وانما كان اقتداء بالنبي القدوة، والرسول الأسوة صلى الله عليه وسلم وحقق الفاروق قضية الشورى كما أرادها الله ورسوله في محكم التنزيل.
وازدادت السياسة الخارجية في عهده رسوخا ووضوحا فتمت الفتوحات التي بدأت في عهد الصديق على يده بعد أن عدل الخطط الحربية، وغير القيادات، وفتحت دمشق، وتم الاستيلاء على بيت المقدس، وكانت الخاتمة الحسنى بفتح مصر في العام الثلاثين من الهجرة، ودخل الأقباط في الاسلام أفواجا بعد أن خلصهم عمرو بن العاص وجنوده من اضطهاد الرومان وتعسفهم.
ثم كان عثمان بن عفان الخليفة الثالث بعد استشهاد الفاروق عمر بن الخطاب، وانكسر الباب، وخرجت الفتنة تطل برأسها من جحرها، فظنوا حلم عثمان ضعفا، وما كان الا رجلا حييا ستيرا تستحي منه ملائكة الرحمن.
انظر إليه حين تولى هذا الامر، تجده امام مهام تنوء بعصبة اولي قوة وقد حملها وحده.
فها هو معاوية يتربع على عرش الشام ويدين له أهلها بالطاعة العمياء فلم يشأ أن ينقض بناء أرسى قواعده من سبقه، وهذه أساليب الدهاء والمكر والخداع تتحيط به من كل مكان حتى اضطر للاستعانة باهل الثقة من أقاربه بعد أن فقدها فيمن حوله.
ومع ذلك فان الإمبراطورية التي امتدت في عهد أمير المؤمنين عمر من أقصى فارس شرقا، إلى حدود برقة وطرابلس غربا، ومن بحر قزوين شمالا إلى بلاد النوبة جنوبا، لم تتوقف في عهد ذي النورين عثمان بن عفان حيث اجتازت جيوشه ارض فارس حتى وصلت إلى طبرستان شرقا، والى بلاد خراسان، كما تكونت أول قوة بحرية لصد عدوان الأساطيل البيزنطية على سواحل مصر الشام، فانظم جزء آخر من بلا د النوبة في الجنوب وانضمت لها بلاد أرمينية، ودخلت البحرية الاسلامية جزيرة " قبرص " وما أمر واقعة " ذات الصواري "