وأسامة بن زيد عنه صلى الله عليه وسلم، وأمهات المؤمنين اعلم بمثل ذلك من الرجال.
والجواب، ان أبا هريرة لم يسمع الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم وانما سمعه من الفضل وأسامة عنه صلى الله عليه وسلم وهما من أهل الصدق والأمانة، ولكن لما ترجح لديه حديث عائشة وأم سلمة رجع إليه، وترك فتواه اتباعا للحق، واما حديث الفضل وأسامة، فقد أجاب عنه العلماء بأجوبة (منها): انه يعارض بما هو أقوى منه، فيترك العمل له إلى الأرجح.
(ومنها): انه كان في مبدأ فرض الصيام حين كان الأكل والشرب والجماع محرما بعد النوم، ثم أباح الله ذلك كله إلى طلوع الفجر، فكان للمجامع ان يستمر إلى طلوعه، فليزم ان يقع اغتساله بعد طلوع الفجر، فدل على أن حديث عائشة وأم سلمة ناسخ لحديث الفضل وأسامة، ولم يبلغهما ولا أبا هريرة الناسخ، فاستمر أبو هريرة على القتيا به، ثم رجع عنه بعد ذلك لما بلغه.
قال الحافظ ابن حجر: " وفيه فضيلة لأبي هريرة لاعترافه بالحق ورجوعه إليه ".
(ج) - قالوا: روى أبو هريرة حديث: (لا عدوي ولا صفر ولا هامة)، فقال اعرابي:
يا رسول الله، فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء، فيخالطها البعير الأجرب فيجربها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فمن اعدى الأول " وروى أيضا حديث: " لا يوردون ممرض على مصح "، اي: صاحب إبل مريضة على صاحب إبل صحيحة مخالفا العدوى.
قالوا: وبين الحديثين تناقض إذ الحديث الأول بنفي العدوى والثاني يثبتها، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يتكلم بمثل هذا فدار الامر بين كذب أبي هريرة أو نسيانه في الرواية فان قلنا بكذبه ارتفعت الثقة بمروياته، وان قلنا بنسيانه ناقض حديث ضم الرداء وقوله فيه (فوالذي نفسي بيده ما نسيت منه شيئا بعد)