الإصابة - ابن حجر - ج ١ - الصفحة ٦٧
والجواب، انه لا تناقض بين الحديثين، فحديث: " لا عدوى " معناه نفي ان تكون العدوى مؤثرة بذاتها دون إرادته تعالى.
وحديث " لا يوردن ممرض على مصح " المقصود منه الا يورد صاحب الإبل المريضة إبله على إبل صحيحة، لئلا تمرض فيتوهم الناس ان ذلك المرض جاء للإبل الصحيحة من طريق العدوى بدون اذنه تعالى، ولك ان تقول: ان المقصود من الحديث الثاني هو اثبات العدوى من طريق السببية العادية التي يجوز فيها تخلف المسبب عن سببه، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تلك المخالطة من باب اتقاء أسباب الهلاك العادية امتثالا لقوله تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة).
ولذا لم يكن بين الحديثين تناقض فلا كذب ولا نسيان.
نعم ثبت ان أب هريرة كان يروي الحديثين جميعا في تعض المجالس، وكان يقتصر على رواية أحدهما في بعضها، اقتصر مرة على رواية الحديث الثاني فقيل له: انك رويت الحديث: " لا عدوي " فرطن بالحبشية، وأنكر على من قال ذلك، فظن أبو سلمة " الراوي للحديثين عنه " ان اعراضه عن رواية حديث " لا عدوى في ذلك المجلس نسيان منه روايته.
ويجاب عن ذلك بان اعراضه عن روايته هذا الحديث ليس من قبيل النسيان كما فهم أبو سلمة، وانما هو مراعاة حال من نحدثهم، ولذلك يقول القرطبي في " المفهم ": (ويحتمل ان يكون أبو هريرة خاف اعتقاد جاهل يظنهما متناقضين فسكت عن أحدهما، وكان إذا امن ذلك حدث بهما جميعا " ا وه‍.
ولن أردت زيادة على ذلك فارجع إلى " فتح الباري " في باب (لا هامة) من كتاب " الطب ".
(د) - قالوا: كان أبو هريرة يدلس في الحديث، فيروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يسمعه منه كما في حديث: (من أصبح جنبا فلا صوم له)، وقد تقدم، والتدليس أخو الكذب.
والجواب عن ذلك: ان أبا هريرة بحكم تأخر اسلامه إلى سنة سبع من الهجرة قد فاته كثير من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان على ليستكمل علمه بالحديث ان يأخذه من الصحابة الذين سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم شانه في ذلك شان سائر الصحابة الذين لم يحضروا مجالسه صلى الله عليه وسلم اما لاشتغالهم ببعض أمور الدنيا، واما لحداثة سنهم واما لتأخر اسلامهم، أو لغير ذلك، يؤيد ذلك ما ثبت عن حميد قال: كنا مع انس بن مالك، فقال: " والله ماكل ما نحدثكم عن
(٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 ... » »»