الصحابة والفقه الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يسألون عما بقع لهم من الحوادث، وحكم الله فيها يتوجهون بالسؤال إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيفتيهم تارة بالآية أو الآيات ينزل الوحي بها عليه وتارة عندما لا يسعفه الوحي يفتيهم باجتهاده.
وعندما لا يتيسر لهم سؤال الرسول صلى الله عليه وسلم يسأل الصحابة بعضهم بعضا فيما يعن لهم من أمور وما يشكل عليهم من حوادث، علة يعرف في الواقعة حكما لم يعرفه، فهم ليسوا سواء في العلم والفقه، فقد كان علم التيمم عند عمار وغيره ولم يعلمه عمر، وكان حكم المسح عند علي وحذيفة ولم تعلم عائشة وابن عمر وأبو هريرة.
والناس في البلاد البعيدة عن المدينة يسألون الصحابة الموفدين إليهم من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يعرض لهم من أمور.
وبعد ان لحق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الاعلى، وانتقلت السلطة التشريعية إلى الخلفاء الراشدين والى كبار الصحابة من بعده، بذا الفقه يظهر بوضوح: ويأخذ في الظهور شيئا فشيئا، ذلك أن الفتوحات الاسلامية انتشرت وامتدت رقعة البلاد شرقا وغربا، وانتقل إلى هذه البلاد المفتوحة الصحابة يحكمون ويقضون، ويفتون على وفق ما يفهمون من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإن لم يجدوا في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يسعفهم فيما يسألون عنه أعملوا رأيهم واجتهدوا وحاولوا الوصول إلى حكم الله في المسائل التي تعرض عليهم ملبين رغبات الناس وأهل البلاد المفتوحة، واتسعت صدورهم ولم يتقيدوا بقيود في المصلحة الواجب مراعاتها، وقبلوا مت غير تفكر ويل الأمور الغريبة عنهم ما دام لا يوجد ضدها اعتراض ديني أو خلقي أو واقعة فقهية حصلت، وبهذا كان اجتهادهم فسيحا متسعا لحاجات الناس ومصالحهم، وكانت حرية هذا الاجتهاد كفيلة بالتقنين والتشريع لكل معاملاتهم وحاجاتهم، ومن هنا اخذ الفقه يتطور حثيثا، ويخطو خطوات سريعة نحو التقدم والازدهار.