الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم كفر ينقل عن الملة، ولا ريب أن تعمد الكذب على الله ورسوله في تحليل حرام أو تحريم حلال كفر محض انتهي، ثم ليعلم أن من كذب في حديث واحد عمدا فسق وردت رواياته كلها وإن تاب. وبه قال الإمام أحمد بن محمد بن حنبل والحميدي (1) عبد الله بن الزبير تلميذ الإمام الشافعي ورفيقه في الرحلة وهو من رواة القول الجديد، وأبو بكر الصيرفي (2) فيما يظهر من عبارته، وإن أطلق الكذب، وأقرهم على ذلك الامام الحافظ الفقيه تقي الدين أبو عمرو ابن الصلاح الشافعي (3)، وقد تعقبه الامام الحافظ الرباني محيي الدين النووي في شرح مسلم له فقال: إن المختار القطع بصحة توبته من ذلك، وقبل روايته بعد صحة التوبة بشروطها قال: وقد أجمعوا على قبول روايته من كان كافرا ثم أسلم، ولا فرق بين الرواية والشهادة انتهي (4).
وما قاله الإمام أحمد ومن ذكر معه هو نظير ما قاله مالك في شاهد الزور إنه إذا تاب لا تقبل شهادته، ونظير ما قاله الشافعي وأبو حنيفة فيمن ردت شهادته بالفسق أو العداوة ثم تاب وحسن حاله لا تقبل منه إعادتهما لما يلحقه من التهمة في تصديق نفسه، وما قاله أبو حنيفة من أن قاذف المحصن إذا تاب لا تقبل شهادته وغير ذلك من الفروع، وقد تواتر قوله صلى الله عليه وسلم: (ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعدة من النار)، وهو أحد الأحاديث المتواترة، وقد ادعي في عدة أحاديث بأنها متواترة، وقد جمعت فيها بضعة عشر حديثا ويزيد على ذلك.
قال البزار في الحديث المشار إليه: رواه مرفوعا نحوا من أربعين صحابيا.
وقال ابن الصلاح (5): إنه بلغ حد التواتر، رواه الجم الكثير من الصحابة، قيل إنهم يبلغون ثمانين نفسا، ولم يزل في اشتهار وكثرة طرف في هذه الأزمان، وحكى أبو بكر الصيرفي في شرح الرسالة أنه رواه أكثر من ستين صحابيا، وقد جمع أبو القاسم.