سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٨ - الصفحة ١٩٠
عليك، وإذا طالبته بالدليل لم يجد إليه سبيلا. فأما قولهم: لا قول إلا ما قال الله، فحق، ولكن أرني ما قال. وأما قولهم: لا حكم إلا لله. فغير مسلم على الاطلاق، بل من حكم الله أن يجعل الحكم لغيره فيما قاله وأخبر به.
صح (1) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " وإذا حاصرت أهل حصن فلا تنزلهم على حكم الله، فإنك (2) لا تدري ما حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك (3) ". وصح أنه قال: " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء... " الحديث (4).
قلت: لم ينصف القاضي أبو بكر - رحمه الله - شيخ أبيه في العلم، ولا تكلم فيه بالقسط، وبالغ في الاستخفاف به، وأبو بكر فعلى عظمته في العلم لا يبلغ رتبة أبي محمد، ولا يكاد، فرحمهما الله وغفر لهما.
قال اليسع ابن حزم الغافقي وذكر أبا محمد فقال: أما محفوظه فبحر عجاج، وماء ثجاج، يخرج من بحره مرجان الحكم، وينبت بثجاجه ألفاف النعم في رياض الهمم، لقد حفظ علوم المسلمين، وأربى على كل أهل دين، وألف " الملل والنحل "، وكان في صباه يلبس الحرير، ولا يرضى من المكانة إلا بالسرير (5). أنشد المعتمد، فأجاد، وقصد بلنسية وبها المظفر

(1) طبعة المجمع: " مع ".
(2) طبعة المجمع: " لأنك ".
(3) أخرجه مسلم (1731)، وأبو داود (2612) من حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي.
(4) أخرجه من حديث العرباض بن سارية أحمد 4 / 126، 127، وأبو داود (4607) والترمذي (2687) وابن ماجة (43) والدارمي 1 / 44، وابن أبي عاصم (26) و (27) و (29) و (30) و (31) و (32) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وصححه ابن حبان (102) والحاكم 1 / 95، ووافقه الذهبي.
(5) طبعة المجمع: " السرير " بحذف الباء.
(١٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 ... » »»