سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٨ - الصفحة ١٨٦
القاضي أبي بكر بن العربي، وطائفة. وآخر من روى عنه مروياته بالإجازة أبو الحسن شريح (1) بن محمد.
نشأ في تنعم ورفاهية، ورزق ذكاء مفرطا، وذهنا سيالا، وكتبا نفيسة كثيرة، وكان والده من كبراء أهل قرطبة، عمل الوزارة في الدولة العامرية، وكذلك وزر أبو محمد في شبيبته، وكان (2) قد مهر أولا في الأدب والاخبار والشعر، وفي المنطق وأجزاء الفلسفة، فأثرت فيه (3) تأثيرا ليته سلم من ذلك، ولقد وقفت له على تأليف يحض فيه على الاعتناء بالمنطق، ويقدمه (4) على العلوم، فتألمت له، فإنه رأس في علوم الاسلام، متبحر في النقل، عديم النظير على يبس فيه، وفرط ظاهرية في الفروع لا الأصول.
قيل: إنه تفقه أولا للشافعي، ثم أداه اجتهاده إلى القول بنفي القياس كله جليه وخفيه، والاخذ بظاهر النص وعموم الكتاب والحديث، والقول بالبراءة الأصلية، واستصحاب الحال، وصنف في ذلك كتبا كثيرة، وناظر عليه، وبسط لسانه وقلمه، ولم يتأدب مع الأئمة في الخطاب، بل فجج (5) العبارة، وسب وجدع (6)، فكان جزاؤه من جنس فعله، بحيث إنه أعرض

(1) في الأصل " سريج " بالسين المهملة والجيم، وهو غلط، والصواب ما أثبت، وهو أبو الحسن شريح بن محمد بن شريح الرعيني الإشبيلي، خطيب إشبيلية ومقرؤها ومسندها، متوفي سنة 539 ه‍. وستأتي ترجمته في الجزء العشرين برقم (85).
(2) لفظ " كان " ليس في طبعة المجمع.
(3) طبعة المجمع: " به ".
(4) طبعة المجمع: " وتقدمه ".
(5) طبعة المجمع: " فحج " بالحاء المهملة قبل الجيم، وشرحها المحقق بقوله: " تكبر ".
وقال: لعل " في " ساقطة قبل كلمة " العبارة ". وفي الأصل عندنا " فجج " بجيمين، والمعنى أن ساق العبارة فجة قاسية.
(6) الجدع في الأصل: القطع، وهو هنا كناية عن الذم والشتم.
(١٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 ... » »»