سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٨ - الصفحة ١٨٧
عن تصانيفه جماعة من الأئمة، وهجروها، ونفروا منها، وأحرقت في وقت، واعتنى بها آخرون من العلماء، وفتشوها انتقادا واستفادة، وأخذا ومؤاخذة، ورأوا فيها الدر الثمين ممزوجا في الرصف بالخرز المهين، فتارة يطربون، ومرة يعجبون، ومن تفرده يهزؤون. وفي الجملة فالكمال عزيز، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان ينهض بعلوم جمة، ويجيد النقل، ويحسن النظم والنثر. وفيه دين وخير، ومقاصده جميلة، ومصنفاته مفيدة، وقد زهد في الرئاسة، ولزم منزله مكبا على العلم، فلا نغلوا فيه، ولا نجفوا عنه، وقد أثنى عليه قبلنا الكبار:
قال أبو حامد الغزالي (1): وجدت في أسماء الله تعالى كتابا ألفه أبو محمد بن حزم الأندلسي يدل على عظم حفظه وسيلان ذهنه.
وقال الإمام أبو القاسم صاعد بن أحمد: كان ابن حزم أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الاسلام، وأوسعهم معرفة مع توسعه في علم اللسان، ووفور حظه من البلاغة والشعر، والمعرفة بالسير والاخبار، أخبرني ابنه الفضل أنه اجتمع عنده بخط أبيه أبي محمد من تواليفه أربع مئة مجلد، تشتمل على قريب من ثمانين ألف ورقة (2).
قال أبو عبد الله الحميدي (3): كان ابن حزم حافظا للحديث وفقهه،

(1) في " شرح الأسماء الحسنى " كما ذكر ابن حجر في " لسان الميزان " 4 / 201، وانظر " العبر " 3 / 239: و " تذكرة الحفاظ " 3 / 1117، و " نفخ الطيب " 2 / 78.
(2) " الصلة " 2 / 416، و " وفيات الأعيان " 3 / 326، و " معجم الأدباء " 12 / 238 - 239، و " تذكرة الحفاظ " 3 / 1147، و " لسان الميزان " 4 / 199، و " نفح الطيب " 2 / 78.
(3) في " جذوة المقتبس ": 308 - 309.
(١٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 ... » »»