سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٨ - الصفحة ١٨٨
مستنبطا للأحكام من الكتاب والسنة، متفننا في علوم جمة، عاملا بعلمه، ما رأينا مثله فيما اجتمع له من الذكاء، وسرعة الحفظ، وكرم النفس والتدين، وكان له في الأدب والشعر نفس واسع، وباع طويل، وما رأيت من يقول الشعر على البديه أسرع منه، وشعره كثير جمعته على حروف المعجم.
وقال أبو القاسم صاعد: كان أبوه أبو عمر من وزراء المنصور محمد بن أبي عامر، مدبر دولة المؤيد بالله بن المستنصر المرواني، ثم وزر للمظفر، ووزر أبو محمد للمستظهر عبد الرحمن بن هشام، ثم نبذ هذه الطريقة، وأقبل على العلوم الشرعية، وعني بعلم المنطق وبرع فيه، ثم أعرض عنه. - قلت: ما أعرض عنه حتى زرع في باطنه أمورا وانحرافا عن السنة - قال: وأقبل على علوم الاسلام حتى نال من ذلك ما لم ينله أحد بالأندلس قبله (1).
وقد حط أبو بكر بن العربي على أبي محمد في كتاب " القواصم والعواصم " (2)، وعلى الظاهرية، فقال: هي أمة سخيفة، تسورت على مرتبة ليست لها، وتكلمت بكلام لم نفهمه (3)، تلقوه (4) من إخوانهم الخوارج حين حكم علي - رضي الله عنه - يوم صفين، فقالت، لا حكم إلا لله. وكان أول

(١) انظر " معجم الأدباء " ١٢ / ٢٣٧ - ٢٣٨، و " تذكرة الحفاظ " ٣ / ١١٤٨، و " لسان الميزان " ٤ / ١٩٩.
(٢) اسمه " العواصم من القواصم "، وهو مطبوع بتحقيق المرحوم العلامة محب الدين الخطيب، ولابن الوزير المتوفى سنة ٨٤٠ ه‍ العواصم والقواصم وهو كتاب حافل لا نظير له في بابه، ويقع في عشرة مجلدات وتتولى نشره مؤسسة الرسالة بتحقيق شعيب الإرناؤوط وسيصدر الجزء الأول منه قريبا إن شاء الله.
(3) طبعة المجمع: " تفهمه " بالتاء (4) طبعة المجمع: تلقفوه.
(١٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 ... » »»