وألتذ إن مرت على جسدي يدي * لأني في التحقيق لست سواكم فنعوذ بالله من الضلال.
قال ابن الأعرابي: مضيت يوما، أنا ورويم وأبو بكر العطار نمشي على شاطئ نهر، فإذا نحن برجل في مسجد بلا سقف. فقال رويم: ما أشبه هذا بأبي الحسين النوري! فملنا إليه، فإذا هو هو، فسلمنا وعرفنا، وذكر أنه ضجر من الرقة فانحدر، وأنه الآن قدم ولا يدري أين يتوجه، وكان قد غاب عن بغداد أربع عشرة سنة، فعرضنا عليه مسجدنا فقال: لا أريد موضعا فيه الصوفية، قد ضجرت منهم، فلم نزل نطلب إليه حتى طابت نفسه. وكانت السوداء قد غلبت عليه، وحديث النفس، ثم ضعف بصره، وانكسر قلبه، وفقد إخوانه، فاستوحش من كل أحد.
ثم إنه تأنس وسألنا عن نصر بن رجاء، وعثمان، وكانا صديقين له، إلا أن نصرا تنكر له، فقال: ما أخاف بغداد، إلا من نصر، فعرفناه أنه بخلاف ما فارقه، فجاء معنا إلى نصر، فلما دخل مسجده، قام نصر وما أبقى في إكرامه غاية، وبتنا عنده، ولما كان يوم الجمعة، ركبنا مع نصر زورقا من زوارقه إلى مكان، وصعدنا إلى الجنيد، فقام القوم وفرحوا، وأقبل عليه الجنيد، يذاكره ويمازحه، فسأله ابن مسروق مسألة، فقال: عليكم بأبي القاسم، فقال الجنيد: أجب يا أبا الحسين، فإن القوم أحبوا أن يسمعوا جوابك، قال: أنا قادم وأنا أحب أن أسمع، فتكلم الجنيد والجماعة، والنوري ساكت. فعرضوا له ليتكلم، فقال: قد لقبتم ألقابا لا أعرفها، وكلاما غير ما كنت أعهد، فدعوني حتى أسمع، وأقف على مقصودكم، فسألوه عن الفرق الذي بعد الجمع: ما علامته؟ وما الفرق بينه وبين الفرق الأول؟ لا أدري سألوه بهذا اللفظ أو بمعناه.