سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٤ - الصفحة ٣٤٣
وهي: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. فإذا برئ الصوفي منها، فهو ملعون زنديق، وهو صوفي الزي، والظاهر، متستر بالنسب إلى العارفين، وفي الباطن فهو من صوفية الفلاسفة أعداء الرسل، كما كان جماعة في أيام النبي صلى الله عليه وسلم منتسبون إلى صحبته وإلى ملته، وهم في الباطن من مردة المنافقين، قد لا يعرفهم نبي الله صلى الله عليه وسلم، ولا يعلم بهم. قال الله تعالى:
(ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين) [التوبة: 101] فإذا جاز على سيد البشر أن لا يعلم ببعض المنافقين وهم معه في المدينة سنوات، فبالأولى أن يخفى حال جماعة من المنافقين الفارغين عن دين الاسلام بعده عليه السلام على العلماء من أمته، فما ينبغي لك يا فقيه أن تبادر إلى تكفير المسلم إلا ببرهان قطعي، كما لا يسوغ لك أن تعتقد العرفان والولاية فيمن قد تبرهن زغله، وانهتك باطنه وزندقته، فلا هذا ولا هذا، بل العدل أن من رآه المسلمون صالحا محسنا، فهو كذلك، لأنهم شهداء الله في أرضه (1)، إذ الأمة لا تجتمع على

(1) أخرج البخاري: 3 / 181 في الجنائز: باب ثناء الناس على الميت، ومسلم (949) في الجنائز: باب فيمن يثنى عليه خير أو شر من الموتى، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مر بجنازة، فأثنوا عليها خيرا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " وجبت " ثم مروا بأخرى، فأثنوا عليها شرا، فقال: " وجبت " فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما وجبت؟ قال: " هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرا فوجبت له النار. أنتم شهداء الله في الأرض ".
وأخرجه البخاري أيضا: 5 / 185 في الشهادات: باب تعديل كم يجوز، بلفظ:
" المؤمنون شهداء الله في الأرض " وانظر " المسند " 3 / 179 و 186 و 197 و 211 و 245 و 281، والترمذي (1058) والنسائي: 4 / 49 50، و " المستدرك " 1 / 377، ومسند الطيالسي (2062) وابن ماجة (1491).
وأخرج البخاري: 3 / 182 و 5 / 185، والترمذي (1059) والنسائي: 4 / 51 من طريق أبي الأسود الديلي قال: أتيت المدينة وقد وقع بها مرض، وهم يموتون موتا ذريعا، فجلست إلى عمر رضي الله عنه، فمرت جنازة، فأثني على صاحبها خيرا، فقال رضي الله عنه: وجبت. ثم مر بأخرى، فأثني على صاحبها خيرا، فقال عمر رضي الله عنه: وجبت، ثم مر بالثالثة، فأثني على صاحبها شرا، فقال: وجبت. فقال أبو الأسود: فقلت: وما وجبت يا أمير المؤمنين؟ قال:
قلت كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة "، فقلنا: وثلاثة؟ قال:
" وثلاثة ". فقلنا: واثنان؟ قال: " واثنان ". ثم لم نسأله عن الواحد.
(2) حديث " لا تجتمع أمتي على ضلالة " رواه الترمذي (2167) والحاكم: 1 / 115 من حديث ابن عمر، ورواه أبو داود (4253) وأحمد في " مسنده " 6 / 397 من حديث أبي بصرة الغفاري، ورواه ابن ماجة (3950) والحاكم: 1 / 116 117 من حديث أنس، ورواه أحمد:
5 / 145 من حديث أبي ذر، ورواه الحاكم: 1 / 116 من حديث ابن عباس، وفي كلها مقال، لكن يحدث منها قوة للحديث. انظر " المقاصد الحسنة " ص 460.
(٣٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 338 339 340 341 342 343 344 345 346 347 348 ... » »»