سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٣ - الصفحة ٢١٥
يسكت عنه، بل يوهنه غالبا، وقد يسكت عنه بحسب شهرته ونكارته، والله أعلم (1).
قال الحافظ زكريا الساجي: كتاب الله أصل الاسلام، وكتاب أبي داود عهد الاسلام (2).
قلت: كان أبو داود مع إمامته في الحديث وفنونه من كبار الفقهاء، فكتابه يدل على ذلك، وهو من نجباء أصحاب الإمام أحمد، لازم مجلسه مدة، وسأله عن دقاق المسائل في الفروع والأصول (3).
وكان على مذهب السلف في اتباع السنة والتسليم لها، وترك الخوض

(1) أبو داود يخرج أحاديث جماعة من الضعفاء ويسكت عنها، مثل: ابن لهيعة، وصالح مولى التوأمة، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وموسى بن وردان، وسلمة بن الفضل، وغيرهم.
فلا ينبغي للناقد ان يقلده في السكوت على أحاديثهم، ويتابعه في الاحتجاج بهم، بل طريقه أن ينظر: هل لذلك الحديث متابع يعتضد به، أو هو غريب فيتوقف فيه، لا سيما إن كان مخالفا لرواية من هو أوثق منه، فإنه ينحط إلى قبيل المنكر.
وقد يخرج لمن هو أضعف من هؤلاء بكثير، كالحارث بن دحية، وصدقة الدقيقي، وعمرو بن واقد العمري، ومحمد بن عبد الرحمن البيلماني، وأبي حيان الكلبي، وسليمان بن أرقم، وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، وأمثالهم من المتروكين، وكذلك ما فيه من الأسانيد المنقطعة، وأحاديث المدلسين بالعنعنة، والأسانيد التي فيها من أبهمت أسماؤهم، فلا يتجه الحكم لأحاديث هؤلاء بالحسن من أجل سكوت أبي داود، لان سكوته تارة يكون اكتفاء بما تقدم من الكلام في ذلك الراوي في نفس كتابه، وتارة يكون لذهول منه، وتارة يكون لظهور شدة ضعف ذلك الراوي واتفاق الأئمة على طرح روايته كأبي الحويرث، ويحيى بن العلاء، وغيرهما، وتارة يكون من اختلاف الرواة عنه، وهو الأكثر، فإن في رواية أبي الحسن بن العبد عنه من الكلام على جماعة من الرواة والأسانيد ما ليس في رواية اللؤلؤي.
هذا، وقد قال العلامة محمد بن إبراهيم الوزير اليمني، المتوفى سنة (840 ه‍)، في كتابه: " تنقيح الانظار ": 1 / 201: وقد جود الذهبي في شرط أبي داود، في ترجمته من " النبلاء ". ثم ساق كلام الذهبي بتمامه في الكتاب نفسه: 1 / 216.
(2) تاريخ ابن عساكر: خ: 7 / 273 أ.
(3) وقد دون تلك الأسئلة في كتاب، وهو مطبوع باسم " مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود ". في مطبعة المنار بمصر (1353 ه‍). وقد قدم له العلامة الشيخ محمد رشيد رضا.
(٢١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 ... » »»