قال صالح بن أحمد: وجه ابن طاهر - يعني: نائب بغداد - بحاجبه مظفر، ومعه غلامان معهما مناديل فيها ثياب وطيب، فقالوا: الأمير يقرئك السلام، ويقول: قد فعلت ما لو كان أمير المؤمنين حاضره كان يفعله.
فقلت: أقرئ الأمير السلام، وقل له: إن أمير المؤمنين قد أعفى أبا عبد الله في حياته مما يكره، ولا أحب أن أتبعه بعد موته بما كان يكرهه، فعاد، وقال: يكون شعاره، فأعدت عليه مثل قولي، وقد كان غزلت له الجارية ثوبا عشاريا قوم بثمانية وعشرين درهما، ليقطع منه قميصين، فقطعنا له لفافتين، وأخذنا من فوران لفافة أخرى (1)، فأدرجناه في ثلاث لفائف.
واشترينا له حنوطا، وفرغ من غسله، وكفناه، وحضر نحو مئة من بني هاشم، ونحن نكفنه. وجعلوا يقبلون جبهته حتى رفعناه على السرير.
قال عبد الله: صلى على أبي محمد بن عبد الله بن طاهر، غلبنا على الصلاة عليه، وقد كنا صلينا عليه نحن والهاشميون في الدار.
وقال صالح: وجه ابن طاهر إلي: من يصلي على أبي عبد الله؟ قلت:
أنا. فلما صرنا إلى الصحراء، إذا بابن طاهر واقف، فخطا إلينا خطوات، وعزانا، ووضع السرير. فلما انتظرت هنية، تقدمت، وجعلنا نسوي الصفوف (2)، فجاءني ابن طاهر، فقبض هذا علي يدي، ومحمد بن نصر على يدي، وقالوا: الأمير. فمانعتهم فنحياني وصلى هو (3)، ولم يعلم.