والطاعة. وسرني هذا الابتداء من أبي عبد الله، فقصدت الحارث، وسألته أن يحضر، وقلت، تسأل أصحابك أن يحضروا. فقال: يا إسماعيل، فيهم كثرة فلا تزدهم على الكسب (1) والتمر، وأكثر منهما ما استطعت.
ففعلت ما أمرني، وأعلمت أبا عبد الله فحضر بعد المغرب، وصعد غرفة، واجتهد في ورده، وحضر الحارث وأصحابه، فأكلوا ثم قاموا إلى الصلاة، ولم يصلوا بعدها، وقعدوا بين يدي الحارث وهم سكوت إلى قريب من نصف الليل، وابتدأ واحد منهم، وسأل عن مسألة، فأخذ الحارث في الكلام، وهم يسمعون. وكأن على رؤوسهم الطير، فمنهم من يبكي، ومنهم من يزعق. فصعدت لا تعرف حال أبي عبد الله، وهو متغير الحال، فقلت: كيف رأيت؟ قال: ما أعلم أني رأيت مثل هؤلاء القوم، ولا سمعت في علم الحقائق مثل كلام هذا، وعلى ما وصفت، فلا أرى لك صحبتهم، ثم قام وخرج.
قال السلمي: سمعت أبا القاسم النصراباذي، يقول: بلغني أن الحارث تلكم في شئ من الكلام، فهجره أحمد، فاختفى في دار مات فيها، ولم يصل عليه إلا أربعة أنفس.
فصل قال ابن الجوزي: كان الامام لا يرى وضع الكتب، وينهى عن كتبة كلامه ومسائله. ولو رأى ذلك، لكانت له تصانيف كثيرة، وصنف " المسند " وهو ثلاثون ألف حديث، وكان يقول لابنه عبد الله: احتفظ بهذا المسند، فإنه سيكون للناس إماما (2). " والتفسير " وهو مئة وعشرون ألفا،