سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١١ - الصفحة ٣١٤
القصص تقرأ عليه من أولها إلى آخرها، فيأمر بالتوقيع فيها، وتحرر، وتدفع إلى صاحبها، فيسرني ذلك، فجعلت أنظر إليه ففطن، ونظر إلي، فغضضت عنه، حتى كان ذلك مني ومنه مرارا. فقال: يا صالح، قلت:
لبيك يا أمير المؤمنين، ووثبت. فقال: في نفسك شئ تريد أن تقوله؟!
قلت: نعم. فقال: عد إلى موضعك. فلما قام، خلا بي، وقال: يا صالح، تقول لي ما دار في نفسك أو أقول أنا؟ قلت: يا أمير المؤمنين، ما تأمر؟ قال: أقول: إنه دار في نفسك أنك استحسنت ما رأيت منا، فقلت:
أي خليفة خليفتنا إن لم يكن يقول: القرآن مخلوق - فورد علي أمر عظيم - ثم قلت: يا نفس، هل تموتين قبل أجلك؟ فقلت: ما دار في نفسي إلا ما قلت. فأطرق مليا، ثم قال: ويحك! اسمع، فوالله لتسمعن الحق، فسري عني، فقلت: يا سيدي، ومن أولى بقول الحق منك، وأنت خليفة رب العالمين. قال: ما زلت أقول: إن القرآن مخلوق صدرا من أيام الواثق - قلت: كان صغيرا أيام الواثق. والحكاية فمنكرة - ثم قال: حتى أقدم أحمد بن أبي دواد علينا شيخا من أذنه، فأدخل على الواثق مقيدا، فرأيته استحيا منه، ورق له، وقربه، فسلم ودعا، فقال: يا شيخ، ناظر ابن أبي دواد. فقال: يا أمير المؤمنين، نصبوا ابن أبي دواد، ويضعف عن المناظرة. فغضب الواثق، وقال: أيضعف عن مناظرتك أنت؟ فقال: يا أمير المؤمنين، هون عليك، فائذن لي في مناظرته، فإن رأيت أن تحفظ علي وعليه. قال: أفعل. فقال الشيخ: يا أحمد، أخبرني عن مقالتك هذه هي مقالة واجبة داخلة في عقد الدين، فلا يكون الدين كاملا حتى تقال فيه؟
قال: نعم. قال: فأخبرني عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم حين بعث، هل ستر شيئا مما أمره الله به من أمر دينهم؟ قال: لا، قال: فدعا الأمة إلى مقالتك هذه؟
فسكت، فالتفت الشيخ إلى الواثق، وقال: يا أمير المؤمنين، واحدة. قال:
(٣١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 309 310 311 312 313 314 315 316 317 318 319 ... » »»