سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١١ - الصفحة ٣١٠
أنه سيكفر. فلما كان بعد أيام قلت له في ذلك، فلم ينشط للكفارة، ثم لم أسمعه يحدث بحديث على تمامه.
قال المروذي: سمعت أبا عبد الله في العسكر، يقول لولده: قال الله تعالى: (أوفوا بالعقود) (المائدة: 1) أتدرون ما العقود؟ إنما هو العهود، واني أعاهد الله عز وجل، ثم قال: والله، والله، والله، وعلي عهد الله (1) وميثاقه أن لاحدثت بحديث لقريب ولا لبعيد حديثا تاما، حتى ألقى الله، ثم التفت إلى ولده، وقال: وإن كان هذا يشتهي منه ما يشتهي، ثم بلغه عن رجل من الدولة وهو ابن أكثم، أنه قال: قد أردت أن يأمره الخليفة أن يكفر عن يمينه، ويحدث. فسمعت أبا عبد الله يقول لرجل من قبل صاحب الكلام: لو ضربت ظهري بالسياط، ما حدثت.
ومن تواضعه:
الخلال: حدثنا محمد بن المنذر، حدثنا أحمد بن الحسن الترمذي، قال: رأيت أبا عبد الله يشتري الخبز من السوق، ويحمله في الزنبيل، ورأيته يشتري الباقلاء غير مرة، ويجعله في خرقة، فيحمله آخذا بيد عبد الله ابنه.
الخلال: أخبرنا المروذي، سمعت أبا عبد الله، يقول: أراد ذاك

(1) قال الراغب: العهد: هو حفظ الشئ ومراعاته، ومن ثم قيل للوثيقة عهدة. ويطلق عهد الله: على ما فطر عليه عباده من الايمان به عند أخذ الميثاق، ويراد به أيضا ما أمر به في الكتاب والسنة مؤكدا، وما التزمه المرء من قبل نفسه كالنذر. قال الحافظ في " الفتح " 11 / 474: وللعهد معان أخرى غير هذه كالأمان والوفاء والوصية واليمين ورعاية الحرمة والمعرفة واللقاء عن قرب والزمان والذمة، وبعضها قد يتداخل، والله أعلم. ونقل عن ابن المنذر أن من حلف بالعهد، فحنث، لزمه الكفارة، سواء نوى أم لا عند مالك والأوزاعي والكوفيين، وبه قال الحسن والشعبي وطاووس وغيرهم، وبه قال أحمد. وقال عطاء والشافعي وإسحاق وأبو عبيد: لا تكون يمينا إلا إن نوى.
(٣١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 305 306 307 308 309 310 311 312 313 314 315 ... » »»