سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١١ - الصفحة ٣١٥
نعم. فقال الشيخ: فأخبرني عن الله حين قال: (اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي) (المائدة: 3)، هل كان الصادق في إكمال دينه، أو أنت الصادق في نقصانه حتى يقال بمقالتك هذه؟ فسكت.
فقال: أجب، فلم يجب. فقال: يا أمير المؤمنين، اثنتان. ثم قال: يا أحمد، أخبرني عن مقالتك، أعلمها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أم لا؟ قال:
علمها. قال: فدعا الناس إليها؟ فسكت. فقال: يا أمير المؤمنين، ثلاث.
ثم قال: يا أحمد، فاتسع لرسول الله أن يعلمها وأمسك عنه كما زعمت، ولم يطالب أمته بها؟ قال: نعم. قال: واتسع ذلك لأبي بكر وعمر؟ قال:
نعم. فأعرض الشيخ، وقال: يا أمير المؤمنين، قد قدمت أنه يضعف عن المناظرة. إن لم يتسع لنا الامساك عنها، فلا وسع الله على من لم يتسع له ما اتسع لهم.
فقال الواثق: نعم، اقطعوا قيد الشيخ. فلما قطع، ضرب بيده إلى القيد ليأخذه، فجاذبه الحداد عليه. فقال الواثق: لم أخذته؟ قال: لاني نويت أن أوصي أن يجعل في كفني حتى أخاصم به هذا الظالم غدا.
وبكى، فبكى الواثق وبكينا. ثم سأله الواثق أن يجعله في حل، فقال:
لقد جعلتك في حل وسعة من أول يوم إكراما لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، لكونك من أهله. فقال له: أقم قبلنا فننتفع بك، وتنتفع بنا، قال: إن ردك إياي إلى موضعي أنفع لك، أصير إلى أهلي وولدي، فأكف دعاءهم عليك، فقد خلفتهم على ذلك، قال: فتقبل منا صلة؟ قال: لا تحل لي، أنا عنها غني.
قال المهتدي: فرجعت عن هذه المقالة، وأظن أن أبي رجع عنها منذ ذلك الوقت.
(٣١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 310 311 312 313 314 315 316 317 318 319 320 ... » »»