وقال: لست أبالي بالحبس، ما هو ومنزلي إلا واحد، ولا قتلا بالسيف، إنما أخاف فتنة السوط. فسمعه بعض أهل الحبس، فقال: لا عليك يا أبا عبد الله، فما هو إلا سوطان، ثم لا تدري أين يقع الباقي، فكأنه سري عنه.
قال: وحدثني من أثق به، عن محمد بن إبراهيم بن مصعب، وهو يومئذ صاحب شرطة المعتصم خلافة لأخيه إسحاق بن إبراهيم، قال: ما رأيت أحدا لم يداخل السلطان، ولا خالط الملوك، كان أثبت قلبا من أحمد يومئذ، ما نحن في عينه إلا كأمثال الذباب.
وحدثني بعض أصحابنا عن أبي عبد الرحمن الشافعي، (1)، أو هو حدثني أنهم أنفذوه إلى أحمد في محبسه ليكلمه في معنى التقية، فلعله يجيب. قال: فصرت إليه أكلمه، حتى إذا أكثرت وهو لا يجيبني. ثم قال لي: ما قولك اليوم في سجدتي السهو؟ وإنما أرسلوه إلى أحمد للألف الذي كان بينه وبين أحمد أيام لزومهم الشافعي. فإن أبا عبد الرحمن كان يومئذ ممن يتقشف ويلبس الصوف، وكان أحفظ أصحاب الشافعي للحديث من قبل أن يتبطن بمذاهبه المذمومة. ثم لم يحدث أبو عبد الله بعد ما أنبأتك أنه حدثني في أول خلافة الواثق، ثم قطعه إلى أن مات، إلا ما كان في زمن المتوكل.