سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٠ - الصفحة ٣١٠
منه، وجلس، فقال: ناظر ابن أبي دواد، قال: يا أمير المؤمنين، إنه يضعف عن المناظرة، فغضب وقال: أبو عبد الله يضعف عن مناظرتك أنت؟ قال: هون عليك، وائذن لي، واحفظ علي وعليه، ثم قال: يا أحمد، أخبرني عن مقالتك هذه، هي مقالة واجبة داخلة في عقد الدين، فلا يكون الدين كاملا حتى تقال؟ قال: نعم. قال: فأخبرني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه الله، هل ستر شيئا مما أمر به؟ قال: لا، قال: فدعا إلى مقالتك هذه؟ فسكت، فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين، واحدة. قال الواثق: واحدة. ثم قال: أخبرني عن الله تعالى حين قال: [اليوم أكملت لكم دينكم] [المائدة: 3]، أكان الله هو الصادق في إكمال ديننا، أو أنت الصادق في نقصانه حتى يقال بمقالتك؟ فسكت أحمد، فقال الشيخ: اثنتان يا أمير المؤمنين، قال: نعم. فقال: أخبرني عن مقالتك هذه، أعلمها رسول الله أم جهلها؟ قال: علمها، قال: فدعا إليها؟ فسكت، قال الشيخ: ثلاثة، ثم قال: فاتسع لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمسك عنها، ولم يطالب أمته بها؟ قال: نعم، قال: واتسع ذلك لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي؟ قال: نعم. فأعرض الشيخ عنه، وقال: يا أمير المؤمنين، قد قدمت القول بأن أحمد يضعف عن المناظرة، يا أمير المؤمنين، إن لم يتسع لك من الامساك عن هذه المقالة ما زعم هذا أنه اتسع للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلا وسع الله عليك، قال الواثق: نعم، كذا هو، اقطعوا قيد الشيخ، فلما قطعوه، ضرب بيده، فأخذه، فقال الواثق: لم أخذته؟ قال: لاني نويت أن أوصي أن يجعل معي في كفني لأخاصم هذا به عند الله، ثم بكى، فبكى الواثق، وبكينا، ثم سأله الواثق أن يحاله، وأمر له بصلة، فقال: لا حاجة لي بها. ثم قال المهتدي: فرجعت عن هذه المقالة، وأظن الواثق رجع عنها في يومئذ.
(٣١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 305 306 307 308 309 310 311 312 313 314 315 ... » »»