سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٨ - الصفحة ٦٤
ولا يقرؤون، فقال: في هؤلاء قدوة، صيروا إليه، فاقرؤوا عليه، ففعلوا.
قتيبة، حدثنا معن، عن مالك، قال: قدم هارون يريد الحج، ومعه يعقوب أبو يوسف، فأتى مالك أمير المؤمنين، فقربه، وأكرمه، فلما جلس، أقبل إليه أبو يوسف، فسأله عن مسألة فلم يجبه، ثم عاد فسأله فلم يجبه، ثم عاد فسأله. فقال هارون: يا أبا عبد الله، هذا قاضينا يعقوب، يسألك، قال: فأقبل عليه مالك، فقال: يا هذا، إذا رأيتني جلست لأهل الباطل، فتعال أجبك معهم (1).
السراج، حدثنا قتيبة: كنا إذا دخلنا على مالك، خرج إلينا مزينا مكحلا مطيبا، قد لبس من أحسن ثيابه، وتصدر الحلقة، ودعا بالمراوح، فأعطى لكل منا مروحة.
محمد بن سعد: حدثني محمد بن عمر، قال: كان مالك يأتي المسجد، فيشهد الصلوات والجمعة، والجنائز، ويعود المرضى، ويجلس في المسجد، فيجتمع إلى أصحابه، ثم ترك الجلوس، فكان يصلي وينصرف، وترك شهود الجنائز، ثم ترك ذلك كله، والجمعة، واحتمل الناس ذلك كله، وكانوا أرغب ما كانوا فيه، وربما كلم في ذلك، فيقول: ليس كل أحد يقدر أن يتكلم بعذره (2).

(١) أورد الخبر في " تذكرة الحفاظ " ١ / ٢١٠ من طريق الحاكم، عن علي بن عيسى الحيري، عن محمد بن إبراهيم العبدي، عن قتيبة، عن معن بن عيسى، قال شعيب: إن صح هذا القول عن إمام دار الهجرة ولا إخاله يصح فإن ذلك يعد هفوة منه رحمه الله في حق كبير القضاة الذي انعقدت الخناصر من الموافق والمخالف على إمامته في الفقه، وبراعته في الحفظ، وثقة مروياته، وسعة اطلاعه، واستقامة سيرته، وللمؤلف جزء في ترجمة هذا الامام مطبوع، سرد فيه جملة صالحة من مناقبه، وثناء الأئمة عليه، فراجعه.
(٢) الخبر في " طبقات ابن سعد " وابن خلكان في " الوفيات " 4 / 136، وعلق عليه كما وجد بخطه بقوله: وإنما كان تخلفه عن المسجد، لأنه سلس بوله، فقال عند ذلك: لا يجوز أن أجلس في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنا على غير طهارة، فيكون ذلك استخفافا.
(٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 ... » »»