سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٧ - الصفحة ١١٧
مخالفا للاجماع، ولا للسنة، وإنما مراد إسحاق: أنهم إذا اجتمعوا على مسألة فهو حق غالبا، كما نقول اليوم: لا يكاد يوجد الحق فيما اتفق أئمة الاجتهاد الأربعة على خلافه، مع اعترافنا بأن اتفاقهم على مسألة لا يكون إجماع الأمة، ونهاب أن نجزم في مسألة اتفقوا عليها بأن الحق في خلافها.
ومن غرائب ما انفرد به الأوزاعي: أن الفخذ ليست في الحمام عورة، وأنها في المسجد عورة. وله مسائل كثيرة حسنة ينفرد بها، وهي موجودة في الكتب الكبار، وكان له مذهب مستقل مشهور، عمل به فقهاء الشام مدة، وفقهاء الأندلس، ثم فني.
سليمان بن عبد الرحمن، قال: قال عقبة بن علقمة البيروتي: أرادوا الأوزاعي على القضا، فامتنع وأبى، فتركوه.
وقال الأوزاعي: من أكثر ذكر الموت، كفاه اليسير، ومن عرف أن منطقه من عمله، قل كلامه.
أبو صالح كاتب الليث: عن الهقل بن زياد، عن الأوزاعي: أنه وعظ، فقال في موعظته: أيها الناس! تقووا بهذه النعم التي أصبحتم فيها على الهرب من نار الله الموقدة، التي تطلع على الأفئدة، فإنكم في دار، الثواء فيها قليل، وأنتم مرتحلون وخلائف بعد القرون، الذين استقالوا من الدنيا زهرتها، كانوا أطول منكم أعمارا، وأجد أجساما، وأعظم آثارا، فجددوا الجبال، وجابوا الصخور (1)، ونقبوا في البلاد، مؤيدين ببطش شديد، وأجسام كالعماد، فما لبثت الأيام والليالي أن طوت مدتهم، وعفت آثارهم، وأخوت منازلهم، وأنست ذكرهم، فما تحس منهم من أحد، ولا تسمع لهم

(1) جابوا الصخور: نقبوها. قال الله تعالى: * (وثمود الذين جابوا الصخر بالواد) * [الفجر:
9]. قال الفراء: جابوا: خرقوا الصخر فاتخذوه بيوتا. انظر: " لسان العرب ".
(١١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 ... » »»