وقال له: سر، فإن وجدت بني هاشم في حياة، فكن لهم عضدا وانفذ لما أمروك به، وإن وجدت ابن الزبير قد قتلهم، فاعترض أهل مكة حتى تصل إلى ابن الزبير، ثم لا تدع لآل الزبير شعرا (1) ولا ظفرا. وقال: يا شرطة الله، لقد أكرمكم الله بهذا المسير، ولكم بهذا الوجه عشر حجج وعشر عمر.
وساروا حتى أشرفوا على مكة، فجاء المستغيث: عجلوا فما أراكم تدركونهم. فانتدب منهم ثمانمائة رأسهم عطية بن سعد العوفي حتى دخلوا مكة، فكبروا تكبيرة سمعها ابن الزبير، فهرب إلى دار الندوة، ويقال: تعلق بأستار الكعبة وقال: أنا عائذ الله. قال عطية: ثم ملنا إلى ابن عباس وابن الحنفية وأصحابهما في دور قد جمع لهم الحطب فأحيط بهم حتى ساوى الجدر، لو أن نارا تقع فيه ما رئي منهم أحد. فأخرناه عن الأبواب وعجل علي ابن عبد الله بن عباس وهو يومئذ رجل، فأسرع في الحطب ليخرج فأدماه.
وأقبل أصحاب ابن الزبير، فكنا صفين، نحن وهم في المسجد نهارنا لا ننصرف إلى صلاة حتى أصبحنا، وقدم الجدلي في الجيش، فقلنا لابن عباس وابن الحنفية: ذرونا نرح الناس من ابن الزبير، فقالا: هذا بلد حرمه الله، ما أحله لاحد إلا لنبيه ساعة، فامنعونا وأجيرونا. قال: فتحملوا وإن مناديا لينادي في الجبل: ما غنمت سرية بعد نبيها، ما غنمت هذه السرية. إن السرية تغنم الذهب والفضة، وإنما غنمتم دماءنا. فخرجوا بهم، فأنزلوهم منى، فأقاموا مدة، ثم خرجوا إلى الطائف، وبها توفي ابن عباس، وصلى عليه محمد، فبقينا معه. فلما كان الحج، وافى محمد بأصحابه فوقف، ووقف نجدة بن عامر الحنفي في الخوارج ناحية، وحجت بنو أمية على لواء، فوقفوا بعرفة (2).