سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٤ - الصفحة ١١٨
وابن الزبير إلى مكة، وأقام ابن الحنفية، فلما سمع بدنو جيش مسرف زمن الحرة رحل إلى مكة، وأقام مع ابن عباس، فلما مات يزيد بويع ابن الزبير، فدعاهما إلى بيعته، فقالا: لا حتى تجتمع لك البلاد. فكان مرة يكاشرهما ومرة يلين لهما، ثم غلظ عليهما، ووقع بينهم حتى خافاه، ومعهما النساء والذرية، فأساء جوارهم وحصرهم، وقصد محمدا، فأظهر شتمه وعيبه، وأمرهم وبني هاشم أن يلزموا شعبهم، وجعل عليهم الرقباء، وقال فيما يقول: والله لتبايعن أو لأحرقنكم. فخافوا.
قال سليم أبو عامر: فرأيت ابن الحنفية محبوسا في زمزم، والناس يمنعون من الدخول عليه، فقلت: والله لأدخلن عليه، فقلت: ما بالك وهذا الرجل؟ قال: دعاني إلى البيعة فقلت: إنما أنا من المسلمين، فإذا اجتمعوا عليك فأنا كأحدهم، فلم يرض بهذا مني، فاذهب إلى ابن عباس فسلم عليه وقل: ما ترى؟ قال: فدخلت على ابن عباس وهو ذاهب البصر فقال: من أنت؟ قلت: أنصاري. قال: رب أنصاري هو أشد علينا من عدونا.
قلت: لا تخف، أنا ممن لك كله، قال: هات، فأخبرته، فقال: قل له: لا تطعه ولا نعمة عين إلا ما قلت، ولا تزده عليه. فأبلغته. فهم ابن الحنفية أن يسير إلى الكوفة. وبلغ ذلك المختار، فثقل عليه قدومه فقال: إن في المهدي علامة يقدم بلدكم هذا، فيضربه رجل في السوق بالسيف لا يضره ولا يحيك (1) فيه.
فبلغ ذلك ابن الحنفية فأقام. فقيل له: لو بعثت إلى شيعتك بالكوفة فأعلمتهم ما أنت فيه. فبعث أبا الطفيل إلى شيعتهم، فقال لهم: إنا لا نأمن ابن الزبير على هؤلاء، وأخبرهم بما هم فيه من الخوف، فقطع المختار بعثا إلى مكة، فانتدب معه أربعة آلاف، فعقد لأبي عبد الله الجدلي عليهم،

(1) أي لا يعمل فيه.
(١١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 ... » »»