سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٣ - الصفحة ٣٠٠
الله، وجاء الليل، فهرب مسلم، فاستجار بامرأة من كندة، ثم جئ به إلى عبيد الله، فقتله، فقال: دعني أوص. قال: نعم. فقال لعمر بن سعد:
يا هذا! إن لي إليك حاجة، وليس هنا قرشي غيرك، وهذا الحسين قد أظلك، فأرسل إليه لينصرف، فإن القوم قد غروه، وكذبوه، وعلي دين فاقضه عني، ووار جثتي، ففعل ذلك. وبعث رجلا على ناقة إلى الحسين، فلقيه على أربع مراحل، فقال له ابنه علي الأكبر: ارجع يا أبه، فإنهم أهل العراق وغدرهم وقلة وفائهم. فقالت بنو عقيل: ليس بحين رجوع، وحرضوه، فقال حسين لأصحابه: قد ترون ما أتانا، وما أرى القوم إلا سيخذلوننا، فمن أحب أن يرجع، فليرجع، فانصرف عنه قوم.
وأما عبيد الله فجمع المقاتلة، وبذل لهم المال، وجهز عمر بن سعد في أربعة آلاف، فأبى، وكره قتال الحسين، فقال: لئن لم تسر إليه لأعزلنك، ولأهدمن دارك، وأضرب عنقك. وكان الحسين في خمسين رجلا، منهم تسعة عشر من أهل بيته. وقال الحسين: يا هؤلاء! دعونا نرجع من حيث جئنا، قالوا: لا. وبلغ ذلك عبيد الله، فهم أن يخلي عنه، وقال: والله ما عرض لشئ من عملي، وما أراني إلا مخل سبيله يذهب حيث يشاء، فقال شمر: إن فعلت، وفاتك الرجل، لا تستقيلها أبدا.
فكتب إلى عمر.
الآن حيث تعلقته حبالنا * يرجو النجاة ولات حين مناص (1).
فناهضه، وقال لشمر: سر فإن قاتل عمر، وإلا فاقتله، وأنت على الناس. وضبط عبيد الله الجسر، فمنع من يجوزه لما بلغه أن ناسا يتسللون إلى الحسين.

(1) رواية الشطر الأول في " الطبري " 5 / 411، و " ابن الأثير " 4 / 53:
الآن إذ علقت مخالبنا به.
(٣٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 295 296 297 298 299 300 301 302 303 304 305 ... » »»