سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٢ - الصفحة ٦٠٧
وأبو هريرة، وجابر، مع أشباه لهم، يفتون بالمدينة، ويحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من لدن توفي عثمان إلى أن توفوا (1).
قال: وهؤلاء الخمسة، إليهم صارت الفتوى.
الشافعي: أخبرنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن بكير بن الأشج، عن معاوية بن أبي عياش الأنصاري: أنه كان جالسا مع ابن الزبير، فجاء محمد بن إياس بن البكير، فسأل عن رجل طلق ثلاثا قبل الدخول. فبعثه إلى أبي هريرة، وابن عباس - وكانا عند عائشة - فذهب، فسألهما.
فقال ابن عباس لأبي هريرة: أفته يا أبا هريرة; فقد جاءتك معضلة.
فقال: الواحدة تبينها، والثلاث تحرمها. وقال ابن عباس مثله (2).
وقد كان أبو هريرة يجلس إلى حجرة عائشة، فيحدث، ثم يقول: يا صاحبة الحجرة، أتنكرين مما أقول شيئا؟
فلما قضت صلاتها، لم تنكر ما رواه; لكن قالت: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد الحديث سردكم (3).

(١) طبقات ابن سعد ٢ / ٣٧٢.
(٢) إسناده صحيح، وهو في " مسند الشافعي " ٢ / ٣٧٥، و " الموطأ " (١١٩٨).
(٣) أخرجه مسلم (٢٤٩٣) في فضائل الصحابة من طريق ابن شهاب أن عروة بن الزبير حدثه أن عائشة قالت: ألا يعجبك أبو هريرة جاء فجلس إلى جنب حجرتي يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم يسمعني ذلك، وكنت أسبح (أصلي نافلة) فقام قبل أن أقضي سبحتي، ولو أدركته لرددت عليه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم. وأخرجه أبو داود (٣٦٥٥)، واختصره الترمذي (٣٦٤٣)، وفي البخاري ٦ / ٤٢٢ في المناقب: وقال الليث: حدثني يونس، عن ابن شهاب أنه قال: أخبرني عروة بن الزبير، عن عائشة أنها قالت: ألا يعجبك أبا فلان جاء فجلس إلى جانب حجري.... وقول عائشة: ولو أدركته لرددت عليه، أي: لأنكرت عليه، وبينت له أن الترتيل في الحديث أولى من السرد. قال الحافظ: واعتذر عن أبي هريرة بأنه كان واسع الرواية، كثير المحفوظ، فكان لا يتمكن من المهل عند إرادة التحديث، كما قال بعض البلغاء: أريد أن أقتصر، فتزدحم القوافي على في. وانظر " تاريخ ابن عساكر " 19 / 119 / 2.
(٦٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 602 603 604 605 606 607 608 609 610 611 612 ... » »»