سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٢ - الصفحة ٥٩٦
قرأت على ابن عساكر، عن أبي روح: أخبرنا محمد بن إسماعيل:
أخبرنا أبو مضر محلم بن إسماعيل: أخبرنا الخليل بن أحمد: حدثنا السراج: حدثنا قتيبة: حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن عمرو بن أبي عمرو، عن المقبري، عن أبي هريرة، قلت: يا رسول الله، من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: " لقد ظننت يا أبا هريرة لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك، لما رأيت من حرصك على الحديث: إن أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصا من نفسه (1) ".
أبو الأحوص، عن زيد العمي، عن أبي الصديق، عن أبي سعيد الخدري: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أبو هريرة وعاء من العلم " (2).
ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن أبي هريرة، قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين: فأما أحدهما، فبثثته في الناس; وأما الآخر، فلو بثثته، لقطع هذا البلعوم (3).

(1) إسناده صحيح، وأخرجه أحمد 2 / 373، والبخاري 1 / 173 في العلم: باب الحرص على الحديث و 11 / 385 في الرقاق من طريق عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، وهو في " طبقات ابن سعد " 4 / 330، و " تاريخ دمشق " لابن عساكر 19 / 115 / 2 وقوله " خالصا " قال الحافظ: احتراز من المنافق ومعنى " أفعل " في قوله:
" أسعد " الفعل لا أنها أفعل التفضيل، أي: سعيد الناس، كقوله تعالى: * (وأحسن مقيلا) *.
ويحتمل أن يكون أفعل التفضيل على بابها وأن كل أحد يحصل له سعد بشفاعته، لكن المؤمن المخلص أكثر سعادة بها، فإنه صلى الله عليه وسلم يشفع في الخلق لأراحتهم من هول الموقف، ويشفع في بعض الكفار بتخفيف العذاب كما صح في حق أبي طالب، ويشفع في بعض المؤمنين بالخروج من النار بعد أن دخلوها، وفي بعضهم بعدم دخولها بعد أن استوجبوا دخولها، وفي بعضهم بدخول الجنة بغير حساب، وفي بعضهم برفع الدرجات فيها، فظن الاشتراك في السعادة بالشفاعة، وأن أسعدهم بها المؤمن المخلص.
(2) أخرجه الحاكم في " المستدرك " وزيد العمي ضعيف.
(3) أخرجه البخاري 1 / 192، 193 في العلم: باب حفظ العلم من طريق إسماعيل بن أبي أويس، عن أبي بكر عبد الحميد، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة. وهو في " تاريخ دمشق " 19 / 16 / 1. وقد حمل العلماء الوعاء الذي لم يبثه على الأحاديث التي فيها تبيين أمراء السوء وأحوالهم وزمنهم. وقد كان أبو هريرة يكني عن بعضه، ولا يصرح به خوفا على نفسه منهم، كقوله: أعوذ بالله من رأس الستين وإمارة الصبيان، يشير إلى خلافة يزيد بن معاوية، لأنها كانت سنة ستين من الهجرة، واستجاب الله دعاء أبي هريرة، فمات قبلها بسنة.
وقال ابن المنير: جعل بعضهم هذا الحديث ذريعة إلى تصحيح باطلهم حيث اعتقدوا أن للشريعة ظاهرا وباطنا، وذلك الباطل، إنما حاصله الانحلال من الدين، وإنما أراد أبو هريرة بقوله:
قطع، أي: قطع أهل الجور رأسه إذا سمعوا عيبه لفعلهم، وتضليله لسعيهم، ويؤيد ذلك أن الأحاديث المكتومة لو كانت من الأحكام الشرعية ما وسعه كتمانها.
(٥٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 591 592 593 594 595 596 597 598 599 600 601 ... » »»