سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٢ - الصفحة ٦٠٢
ظنك بالاكثار من رواية الغرائب والمناكير في زماننا مع طول الأسانيد، وكثرة الوهم والغلط، فبالحري أن نزجر القوم عنه; فيا ليتهم يقتصرون على رواية الغريب والضعيف، بل يروون والله الموضوعات والأباطيل، والمستحيل في الأصول والفروع، والملاحم والزهد; نسأل الله العافية.
فمن روى ذلك مع علمه ببطلانه، وغر المؤمنين، فهذا ظالم لنفسه، جان على السنن والآثار، يستتاب من ذلك; فإن أناب وأقصر، وإلا فهو فاسق; كفى به إثما أن يحدث بكل ما سمع. وإن هو لم يعلم، فليتورع، وليستعن بمن يعينه على تنقية مروياته (1). نسأل الله العافية; فلقد عم البلاء، وشملت الغفلة، ودخل الداخل على المحدثين الذين يركن إليهم المسلمون; فلا عتبى على الفقهاء وأهل الكلام.
قال محمد بن يحيى الذهلي: حدثنا محمد بن عيسى: أخبرنا يزيد بن يوسف، عن صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: ما كنا نستطيع أن نقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم; حتى قبض عمر

(١) قال محدث الديار الشامية في عصره العلامة الشيخ بدر الدين الحسني رحمه الله ورضي عنه فيما نقله عنه الشيخ العلامة محمود ياسين في مجلة الهداية الاسلامية 8 / 264: لا يجوز إسناد حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا إذا نص على صحة هذا الحديث حافظ من الحفاظ المعروفين، فمن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو لا يعلم صحة ذلك من طريق أحد الحفاظ يوشك أن يصدق عليه حديث: " من قال علي ما لم أقل، فليتبوأ مقعده من النار "، فليحذر الخطباء والكتاب والمدرسون والوعاظ من إسناد حديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يعلموا صحته من طريق حافظ مشهور من حفاظ الحديث، وعليهم إذا لم يعلموا ذلك أن يذكروا الحديث معزوا إلى الكتاب الذي نقلوا منه، كالترمذي، والنسائي مثلا، وبذلك يخرجون من العهدة، أما الذين يحملون بأيديهم الكتب التي لا قيمة لها عند علماء الحديث الشريف ككثير من كتب الأخلاق والوعظ المنتشرة بالأيدي، فلا يكفي عزو الحديث إليها، ولا يخرج القارئ من الوزر.
(٦٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 597 598 599 600 601 602 603 604 605 606 607 ... » »»