إلى أن قال: ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس عن كلامنا أيها الثلاثة (1).
فجعلت أخرج إلى السوق، فلا يكلمني أحد، وتنكر لنا الناس، حتى ما هم بالذين نعرف، وتنكرت لنا الحيطان والأرض. وكنت أطوف، وآتي المسجد، فأدخل، وآتي النبي صلى الله عليه وسلم، فأسلم عليه، فأقول: هل حرك شفتيه بالسلام!
واستكان صاحباي (2)، فجعلا يبكيان الليل والنهار لا يطلعان رؤوسهما! فبينا أنا أطوف في السوق إذا بنصراني جاء بطعام، يقول: من يدل على كعب؟ فدلوه علي! فأتاني بصحيفة من ملك غسان. فإذا فيها:
أما بعد: فإنه بلغني أن صاحبك قد جفاك وأقصاك; ولست بدار مضيعة ولا هوان، فالحق بنا نواسك. فسجرت لها التنور، وأحرقتها.
إلى أن قال: إذ سمعت نداء من ذروة سلع (3): أبشر يا كعب بن مالك. فخررت ساجدا. ثم جاء رجل على فرس يبشرني، فكان الصوت أسرع من فرسه، فأعطيته ثوبي بشارة، ولبست غيرهما.
ونزلت توبتنا على النبي صلى الله عليه وسلم ثلث الليل. فقالت أم سلمة: يا نبي الله، ألا نبشر كعبا؟ قال: " إذا يحطمكم الناس، ويمنعونكم النوم ".
قال: فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا هو جالس في المسجد وحوله المسلمون، وهو يستنير كاستنارة القمر، فقال: أبشر يا كعب بخير يوم أتى