سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٢ - الصفحة ٥٢٨
الله صلى الله عليه وسلم غزوة إلا ورى بغيرها. فأراد في غزوة تبوك أن يتأهب الناس أهبة وكنت أيسر ما كنت، وأنا في ذلك أصغو (1) إلى الظلال وطيب الثمار; فلم أزل كذلك، حتى خرج. فقلت: أنطلق غدا، فأشتري جهازي، ثم ألحق بهم. فانطلقت إلى السوق، فعسر علي، فرجعت، فقلت: أرجع غدا.
فلم أزل حتى التبس بي الذنب، وتخليت، فجعلت أمشي في أسواق المدينة، فيحزنني أني لا أرى إلا مغموصا (2) عليه في النفق أو ضعيفا. وكان جميع من تخلف عن رسول الله بضعة وثمانين رجلا.
ولما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم تبوك، ذكرني، وقال: " ما فعل كعب "؟ فقال رجل من قومي: خلفه يا نبي الله برداه والنظر في عطفيه. فقال معاذ: بئس ما قلت! والله ما نعلم إلا خيرا.
إلى أن قال: فلما رآني صلى الله عليه وسلم، تبسم تبسم المغضب، وقال: " ألم تكن ابتعت ظهرك "؟ قلت: بلى. قال: " فما خلفك "؟ قلت: والله لو بين يدي أحد غيرك جلست، لخرجت من سخطه علي بعذر، لقد أوتيت جدلا; ولكن قد علمت يا نبي الله أني أخبرك اليوم بقول تجد علي فيه، وهو حق; فإني أرجو فيه عقبى الله.
إلى أن قال: والله ما كنت قط أيسر ولا أخف حاذا (3) مني حين تخلفت عنك؟ فقال: " أما هذا فقد صدقكم، قم حتى يقضي الله فيك " فقمت.

(1) أصغو: أميل.
(2) بالغين المعجمة، والصاد المهملة، أي: مطعونا عليه في دينه، متهما بالنفاق. وقيل:
معناه: مستحقرا، تقول: غمصت فلانا: إذا استحقرته.
(2) الحاذ: الحال.
(٥٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 523 524 525 526 527 528 529 530 531 532 533 ... » »»