الكاشف في معرفة من له رواية في كتب الستة - الذهبي - ج ١ - الصفحة ١٦٣
عبد الرزاق عن معر: كان يثبج الحديث ". أي: يخلط في روايته ولا يأتي بالحديث سليما على وجهه.
وهي كلمة نادرة الاستعمال على ألسنتهم، وممن استعملها غير معمر: الإمام أحمد رحمه الله، ففي " مسائل أبي داود للإمام أحمد " - المسائل الحديثية - أواخر " باب أهل البصرة " السطر التاسع من الورقة 14 من أصل 16 ورقة، قال أبو داود: " سمعت أحمد قيل له: روح أحب إليك أو أبو عاصم؟ قال: كان روح يخرج الكتاب، وأبو عاصم يثبج الحديث ". وجاءت كلمة " يثبج " واضحة تماما، نقطت جميع حروفها مع قدم النسخة، فإنها مكتوبة " في شهر ربيع الآخر سنة أربعمائة ".
وقد تحرفت هذه الكلمة على ابن عدي - على تقدمه في هذا الفن -.
فقد روى في " الكامل " 1: 314 كلام البخاري هذا عن شيخه تلميذ البخاري: ابن حماد - وهو الدولابي صاحب " الكنى " - وجاء عنده هذا اللفظ: " قال معمر: كان يضع الحديث "!!.
ثم روى كلمة معمر هذه من طريق الأثرم عن الإمام أحمد، وجاء في المطبوع منه: " كان ينتج الحديث ". وما أره إلا تحريفا مطبعيا، صوابه: يثبج، كما يأتي.
أما التحريف الأول فليس مطبعيا، بل اللفظ المطبوع - " كان يضع الحديث " - هو اللفظ الذي كتبه ابن عدي بدليل نقل الذهبي له في " الميزان " 1 (895)، وهذا لفظه:
" قال ابن عدي: قال البخاري: قال معمر: كان يضع الحديث. وقال عبد الرزاق: قلت لمعمر: ما لك لم ترو عن ابن شروس؟ قال: كان يثبج الحديث ".
فكلمة معمر هي هي في رواية البخاري وأحمد، وتحرفت على ابن عدي في نسخته من " التاريخ الكبير " إلى: يضع، وسلمت في نسخته من رواية الأثرم عن أحمد.
وزاد الطين بلة، والتحريف سقما: أن الذهبي رحمه الله قال في " المغني " 1 (672): " كذاب، قاله معمر! ". فتصرف في نقلها عن ابن عدي الذي تحرفت عليه، فتحولت من " يثبج، إلى: يضع، إلى:
كذاب.
وقال في " ديوان الضعفاء " له (412): " كذاب " ولم ينسبه إلى قائل.
فانطمس الأمر، وضاع الصواب، وازدوج التحريف، وصعب كشف الحقيقة، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالرجوع إلى المصادر الأولى المحققة بإتقان ودقة.
أما أن أرجع إلى " الميزان " وأعتبره أصلا في كل شئ: فلا، بل لا بد من الرجوع إلى أصوله، ومن أهم أصوله " الكامل "، و " الكامل " يأخذ عن ابن معين وأحمد والبخاري كثيرا - ويأخذ عن غيرهم قليلا - فلا بد من الرجوع إلى أصوله هذه أيضا، إذ لولا السير وراء هذه السلسلة لما انكشف مثل هذا الأمر الخطير!.
وإلا فمن الذي يعارض هذا التوارد الكثير: الذهبي في " الميزان " و " المغني " و " الديوان "، وابن حجر في " اللسان " 1: 411 وسبط ابن العجمي في " الكشف الحثيث " (145)، وابن عراق في " تنزيه الشريعة " 1: 39؟!.
(١٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 ... » »»
الفهرست