وانصرف محمودا عند أصحابه مشكورا عند أهل الناحية ودخل على عمر وعنده المهاجرين والأنصار فخطب خطبة لم يسمع مثلها حسنا فقال عمرو بن العاص لله هذا الغلام لو كان أبو قرشيا لساق العرب بعصاه فقال أبو سفيان وهو حاضر في المجلس فقال والله إني لأعرف أباه ومن وضعه في رحم أمه فقال علي (1) يا أبا سفيان اسكت فإنك لتعلم أن عمر إن سمع هذا القول منك كان سريعا إليك بالشر فأنشأ أبو سفيان يقول (2) * أما والله لولا خوف شخص * يرانا يا علي من الأعادي لأظهر أمره صخر بن حرب * ولم تكن المقالة عن زياد فقد طالت مجاملتي ثقيفا * وتركي عندهم عرضا فؤادي * (3) فلما قلد علي الخلافة قلد زياد بن أبيه فارس فضبطها وحمى قلاعها وأباد (4) الأعداء بناحيتها وحد أثره فيها واتصل الخبر بمعاوية فساءه ذلك وعظم عليه وكتب إلى زياد أما بعد فإن العش الذي ربيت فيه معلوم عندنا فلا تدع أن تأوي كما تأوي الطير في أوكارها ولولا والله أعلم به لقلت ما قاله العبد الصالح " فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون " (5) وكتب في آخر كتابه * لله در زياد أيما رجل * لو كان يعلم ما يأتي وما يذر تنسى أباك وقد خفت نعامته * إذ يخطب الناس والوالي لنا عمر فافخر بوالدك الأدنى ووالدنا * إن ابن حرب له في قومه خطر إن ابتهارك قوم (6) لا تناسبهم * إلا بأمك عار ليس يغتفر فاترك ثقيفا فإن الله باعدهم * عن كل فضل به تعلو الورى مضر فالرأي مطرف والعقل تجربة * فيها لصاحبها الايراد والصدر * فلما ورد الكتاب على زياد قام في الناس فقال العجب كل العجب من ابن آكلة
(١٧٥)