شرح السير الكبير - السرخسي - ج ١ - الصفحة ٢٩٠
لان أمر الأمان مبنى على التوسع. والتحرز عما يشبه الغدر واجب. فإذا كان معروفا بينهم فالثابت بالعرف كالثابت بالنص. فلو لم يجعل أمانا كان غدرا. وإذا لم يكن معروفا فقد اقترن به من دلالة الحال (75 آ) ما يكون مثل العرف أو أقوى منه، وهو امتثالهم أمره وما أشار عليهم به، فهو من أبين الدلائل على المسألة. ألا ترى أنهم لو قالوا لهم: اخرجوا حتى تهدموا هذا الحصن فخرجوا كانوا آمنين؟.
386 - ثم استدل عليه بحديث عمر رضي الله عنه: أيما رجل من المسلمين أشار إلى رجل من العدو أن تعال فإنك إن جئت قتلتك.
فأتاه، فهو آمن.
وتأويل هذا أنه إذا لم يفهم قوله: إن جئت قتلتك أو لم يسمع. فأما إذا علم ذلك وسمعه وجاءه مع ذلك فهو فئ، لان دلالة الحال والعرف يسقط اعتباره إذا صرح بخلافه. ألا ترى أن لو قال: تعالى إن كنت تريد القتال أو إن كنت رجلا، أو تعالى حتى تبصر ما أفعله معك، فإنه لا يشكل على أحد أن هذا كلام تهديد لا كلام أمان. فأما قوله: تعالى مطلقا فكلام موافقة. وكذلك إشارته بالأصابع إلى السماء فيه بيان أن أعطيتك ذمة إله السماء، أو أنت آمن منى بحق رب السماء. فهو بمنزلة قوله أمنتك.
387 - ولو أن عسكر المسلمين في دار الحرب وجدوا رجلا أو امرأة، فقال حين وجدوه: جئت أطلب الأمان. فإن لم يكن لهم علم به (1) حتى هجموا عليه فهو فئ ولا يصدق في ذلك.
لان الظاهر يكذبه فيما يقول. فإنه كان مختفيا منهم إلى أن هجموا عليه.
وإنما يليق هذا بحال من يأتيهم مغيرا لا مستأمنا. فالظاهر أنه يحتال بهذه الحيلة بعدما وقع في الشبكة فلا يصدق.

(1) ب، ق " فان لم يكن علم بهم "
(٢٩٠)
مفاتيح البحث: القتل (2)، الحرب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 285 286 287 288 289 290 291 292 293 294 295 ... » »»