فها هو الامام الجليل يخرج من نيسابور على هذه الصورة المحزنة، وبرغم هذا الذي لقيه فهو لا ينسى رسالته، فيوصي تلاميذه بأن يخلصوا من حديث الشيخ ما قدروا عليه متجاوزين عن هذه العثرة التي كان الأجدر به أن يتجاوزها.
ثم عزم الامام على العودة إلى بخارى - مسقط رأسه - وما أن علم أهلها بالخبر حتى سارعوا إلى استقباله بصورة لم يسبق لها مثيل، وباحتفال يتمناه السلاطين والملوك: نصبت له القباب على فرسخ من البلد، وخرجت المدينة من بكرة أبيها حتى لم يبق مذكور متخلف عن استقباله ونثر عليه الدراهم والدنانير، وتصدر للتحديث في مسجده وبيته مدة، وكان من المتوقع أن تصفو الأيام الأخيرة لأبي عبد الله على هذا النحو، ولكن شهوة التسلط دفعت الأمير خالد بن أحمد الذهلي والى بخارى إلى أن يبعث إلى الامام أن احمل إلى كتاب الجامع والتاريخ لأسمع منك.
أو هو سأله أن يحملهما إلى منزله فيقرأهما على أولاده.
وهنا تشتد غضبة الامام وتثور كرامة العالم المعتز بالله، وبما يحمله من أمانة دينية رفيعة فيقول لرسول الأمير: " قل له إني لا أذل العلم ولا أحمله إلى أبواب السلاطين، فإن كانت له حاجة إلى شئ منه فليحضر إلى مسجدي أو داري، فإن لم يعجبك هذا فأنت سلطان فامنعني من المجالس ليكون لي عذر عند الله يوم القيامة أني لا أكتم العلم ".
ولم يكن الأمير ليحتمل هذا الرفض، فدس عليه صغار النفوس ليتكلموا عن مذهبه فيجد الأمير حجة أمام الناس في نفيه، ونفاه.
ولما خرج من بخارى، كتب إليه أهل سمرقند يخطبونه إلى بلدهم