والمحاسن: " وكان هذا الرجل كثير المحاسن، حديد الخاطر، جم الفضائل، غزير العلم، وكان من أهل عكبري، من موضع يعرف بسويقة بن بصري، وانحدر مع أبيه إلى بغداد، بدأ بقراءة العلم على أبي عبد الله المعروف بالجعل بدرب رباجة، ثم قرأ من بعده على أبي ياسر غلام أبي الحسن بباب خراسان. فقال له أبو ياسر: لم لا تقرأ على علي بن عيسى الرماني الكلام وتستفيد منه، فقال: ما أعرفه ولا لي به أنس، فأرسل معي من يدلني عليه، قال: ففعل ذلك وأرسل معي من أوصلني إليه، فدخلت عليه والمجلس غاص بأهله، وقعدت حتى انتهى بي المجلس، فلما خف الناس قربت منه، فدخل عليه داخل، فقال: بالباب إنسان يؤثر لحضور مجلسك وهو من أهل البصرة، فقال: هو من أهل العلم، فقال غلامه:
لا أعلم، إلا أنه يؤثر لحضور مجلسك، فأذن له فدخل عليه فأكرمه وطال الحديث بينهما، فقال الرجل لعلي بن عيسى: ما تقول في يوم الغدير والغار؟ فقال: أما خبر الغار فدراية، وأما خبر الغدير فرواية، والرواية ما توجب ما توجبه الدراية، قال: وانصرف البصري ولم يحر خطابا يورد إليه، قال المفيد رضي الله عنه: فقلت أيها الشيخ مسألة، فقال: هات مسألتك، فقلت: ما تقول فيمن قاتل الإمام العادل؟
قال: يكون كافرا، ثم استدرك، فقال: فاسقا، فقلت: ما تقول في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام؟ قال: إمام، قال: قلت فما تقول في يوم الجمل وطلحة والزبير، فقال: تابا، فقلت: أما خبر الجمل فدراية، وأما خبر التوبة فرواية، فقال لي: كنت حاضرا وقد سألني البصري؟ فقلت: نعم رواية برواية، ودراية بدراية، فقال: بمن تعرف وعلى من تقرأ، قلت: أعرف بابن المعلم، وأقرأ على الشيخ أبي عبد الله الجعل، فقال: موضعك، ودخل منزله وخرج ومعه رقعة قد كتبها وألصقها، فقال لي: أوصل هذه الرقعة إلى أبي عبد الله، فجئت بها إليه فقرأها، ولم يزل يضحك بينه وبين نفسه، ثم قال: ايش جرى لك في مجلسه، فقد وصاني بك ولقبك المفيد، فذكر المجلس بقصته فتبسم ". (إنتهى).