عليه رجل من الشيعة، فقال له: يا فلان، جدد التوبة، وأحدث عبادة، فإنه لم يبق من عمرك إلا شهرا، قال إسحاق: فقلت في نفسي: وا عجباه! كأنه يخبرنا أنه يعلم آجال الشيعة - أو قال: آجالنا! -، قال: فالتفت إلي مغضبا، وقال:
يا إسحاق، وما تنكر من ذلك؟ وقد كان الهجري مستضعفا، وكان عنده علم المنايا، والامام أولى بذلك من رشيد الهجري، يا إسحاق، أما إنه قد بقي من عمرك سنتان أما إنه يتشتت أهل بيتك تشتتا قبيحا ويفلس عيالك إفلاسا شديدا.
جعفر بن معروف، قال: حدثنا أبو الحسن الرازي، قال: حدثني إسماعيل ابن مهران، قال: حدثني سليمان الديلمي، قال: قال إسحاق بن عمار: لما كثر مالي أجلست على بابي بوابا يرد عني فقراء الشيعة، قال: فخرجت إلى مكة، في تلك السنة فسلمت على أبي عبد الله عليه السلام فرد علي بوجه قاطب غير مسرور، فقلت: جعلت فداك، وما الذي غير حالي عندك؟، قال عليه السلام:
الذي غيرك للمؤمنين، قلت: جعلت فداك، والله إني لاعلم أنهم على دين الله، ولكن خشيت الشهرة على نفسي، قال: يا إسحاق. أما علمت أن المؤمنين إذا التقيا فتصافحا بين إبهاميهما مائة رحمة، تسعة وتسعون منها لأشدهما حبا لصاحبه، فإذا اعتنقا غمرتهما الرحمة، فإذا التأما لا يريدان بذلك إلا وجه الله، قيل لهما غفر الله لكما. فإذا جلسا يتساءلان، قالت الحفظة بعضها لبعض: اعتزلوا بنا عنهما، فإن لهما سرا وقد ستر الله عليهما، قلت: جعلت فداك، وتسمع الحفظة قولهما ولا تكتبه وقد قال الله عز وجل: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)؟.
قال: فنكس رأسه طويلا، ثم رفعه، وقد فاضت دموعه على لحيته وهو يقول:
يا إسحاق، إن كانت الحفظة لا تسمعه ولا تكتبه، فقد يسمعه ويعلمه الذي يعلم السر وأخفى: يا إسحاق، خف الله، كأنك تراه، فإن شككت في أنه يراك، فقد كفرت. وإن تيقنت أنه يراك، ثم برزت له بالمعصية، فقد جعلته في حد أهون الناظرين إليك.