شخص اسمه يوسف بن يحيى وارتد عن مذهب الإمامية وكتب محضرا يشنع فيه على الشهيد بأقاويل شنيعة ومعتقدات فضيعة وأنه كان أفتى بها الشهيد، وكتب في ذلك المحضر سبعون نفسا من أهل الجبل ممن كان يقول بالإمامة والتشنيع وارتدوا عن ذلك وكتبوا خطوطهم تعصبا مع ابن يحيى في هذا الشأن، وكتب في هذا ما ينيف على الألف من أهل السواح من السنيين، وأثبتوا ذلك عند قاضي بيروت وقيل قاضي صيدا، وأتوا بالمحضر إلى القاضي عباد بن جماعة بدمشق، فأنفذه إلى القاضي المالكي وقال له: تحكم بمذهبك والا عزلتك.
فجمع الملك بيدمر الامراء والقضاة والشيوخ وأحضروا الشيخ قدس سره وقرئ عليه المحضر، فأنكر ذلك وذكر أنه غير معتقد له مراعيا للتقية الواجبة، فلم يقبل ذلك منه، وقيل له: قد ثبت ذلك عليك شرعا لا ينتقض حكم القاضي.
فقال: الغائب على حجته فان أتى بما يناقض الحكم جاز تقضيه والا فلا وها أنا أبطل شهادات من شهد بالجرح ولي على كل واحد حجة بينة. فلم يسمع ذلك منه ولم يقبل.
فقال الشيخ للقاضي عباد بن جماعة: اني شافعي المذهب وأنت الان امام هذا المذهب وقاضيه فاحكم في بمذهبك. وانما قال الشيخ ذلك لان الشافعي يجوز توبة المرتد. فقال ابن جماعة: ان كنت على مذهبي يجب حبسك سنة ثم استتابتك، أما الحبس فقد حبستك ولكن تب إلى الله واستغفر حتى أحكم باسلامك. فقال الشيخ: ما فعلت ما يوجب الاستغفار حتى استغفر، خوفا من أن يستغفر فيثبت عليه الذنب.
فاستغلظ ابن جماعة واكد عليه، فأبى عن الاستغفار، فساره ساعة ثم قال:
قد استغفرت فثبت عليك الحق، وقال للمالكي: قد استغفر. ثم قال: عاد الحكم إلى المالكي.