حكمه بذلك يلزم افحام الأنبياء عليهم السلام في دعواهم وقد سبق توضيح ذلك في بعض المباحث السابقة وسيأتي بيانه في محله إن شاء الله تعالى وموضوع حكمه بذلك انما هو مجرد احتمال البيان حتى يكون هذا الحكم العقلي بيانا لما هو بيان الحكم الواقعي فيكون الحكم الواقعي واصلا بطريقة الواصل بالطريق أيضا ومن البديهي ان موضوع هذا الحكم يرتفع بعد الفحص فلو لم يجز الرجوع بعده إلى البراءة فلا بد وأن يكون بملاك آخر غير وجوب الفحص (وثانيهما) حكمه بوجوب الاحتياط من جهة العلم الاجمالي بثبوت تكاليف في الشريعة فما دام هذا العلم الاجمالي موجودا يوجب تنجز الأحكام الواقعية ولو لم يكن عليها بيان في الشريعة وعلى ذلك بنينا صحة عقاب تارك الطريقين إذا اقتحم في الشبهة وصادف مخالفته للحكم الواقعي ولو كان الحكم بحيث إذا تفحص عنه لما كان يصل إليه ابدا وحينئذ فإذا أثبتنا انحلال هذا العلم الاجمالي بالفحص والظفر بمقدار المعلوم بالاجمال كما سنبينه إن شاء الله تعالى فلا محالة لا يترتب عليه اثر بعد الفحص فلا بد للاخباري القائل بوجوب الاحتياط من إقامة الدليل عليه غير هذا العلم الاجمالي المترتب عليه وجوب الاحتياط في خصوص ما قبل الفحص فيكون حاله حال الأصولي في وجوب اقامه الدليل على مدعاه (إذا عرفت ذلك) فقد استدل للقول المختار وهو الحكم بعدم وجوب الاحتياط بالأدلة الأربعة (اما الآيات) فمنها قوله تعالى لا يكلف الله نفسا الا ما آتاها بتقريب ان المراد من لفظة ما الموصولة هو التكليف فيكون المراد من الايتاء المتعلق به هو الاعلام فتدل على أن الله تبارك وتعالى لا يكلف بالتكليف الغير الواصل إلى المكلف (وقد) ادعى بعض ان دلالة الآية على ذلك ظاهرة بتقريب ان لفظة ما ظاهرة في أن المراد منه هو الحكم وايتاء الحكم عبارة عن اعلامه كما في قوله تعالى ما آتاكم الرسول فخذوه فتدل على أن الحكم قبل وصوله لا يكلف به العبد بل يكون هو في سعة واشكل عليه بأن إرادة خصوص الحكم منها ينافيها صدر الآية وهو قوله ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما اتاه الله (والتحقيق) ان يقال إن لفظة ما في حد ذاته يحتمل معان ثلاثة (الأول) خصوص الحكم فيكون المراد من الايتاء الذي هو بمعنى الاعطاء الاعلام (الثاني) خصوص المال فيكون المراد من الايتاء اعطاء السلطنة (الثالث) مطلق الفعل فيكون المراد من الايتاء الاقدار عليه فتدل على عدم جواز التكليف بغير المقدر فيشمل مورد الآية وغيره (ثم إنه) لا ريب في عدم جواز إرادة خصوص الحكم منها لمنافاته لمورد الآية كما أنه لا ريب في عدم جواز إرادة خصوص المال منها
(١٦٧)