من حكم العقل بعد الجمح المذكور مفادا لفظيا ومعلولا لنفس اللفظ من دون احتياج إلى حكم العقل فيكون الدليل المتكفل لذلك حاكما على الدليل الآخر وهذا هو الجامع بين تمام أقسام الحكومة التي مر بيانها فالفرق بين الحكومة والتخصيص بعد اشتراكهما في عدم ارتفاع الموضوع وجدانا ان دليل الحاكم يوجب التصرف في عقد الوضع أو في عقد الحمل فيترتب عليه رفع الحكم وهذا بخلاف التخصيص فإنه يوجب ارتفاع الحكم عن الموضوع من دون تصرف أصلا (وقد ظهر) من جميع ما ذكرناه ان تقدم الامارات على الأصول ليس من جهة ورودها عليها ولا من جهة تخصيص أدلة الأصول بها بل من جهة الحكومة الموجبة لارتفاع موضوعها بثبوت ما اخذ الشك فيه موضوعا في أدلة الأصول وسيأتي لذلك مزيد توضيح في بحث التعادل والتراجيح إن شاء الله تعالى (إذا عرفت ذلك) فنقول الشبهة التي يكون الأصل فيها جاريا اما أن تكون شبهة حكمية أو موضوعية والغرض من التكلم في هذا المقصد انما هو بيان حكم الشبهة الحكمية التي يختص اجراء الأصل فيها بالمجتهد والبحث عن الأصل الجاري في الشبهة الموضوعية المسماة عند القدماء بالشبهة في طريق الحكم من جهة الاستطراد (ثم) ان الشبهة الحكمية التي هي محل البحث في المقام وهو الشك في التكليف مع عدم لحاظ الحالة السابقة اما أن تكون تحريمية أو وجوبية فهنا مقامان ومنشأ الشبهة في كل منهما اما أن يكون فقدان النص أو اجماله أو تعارضه (اما المقام الأول) ففيه مسائل (المسألة الأولى) ما إذا كانت الشبهة تحريمية من جهة فقدان النص والنزاع فيها بين الأخباريين القائلين بوجوب الاحتياط فيها والأصوليين القائلين بأصالة البراءة وقبل بيان أدلة الطرفين لا بد من بيان أمرين (الأول) أن الفرق بين مسألة البراءة والاحتياط ومسألة كون الأشياء على الحظر أو الإباحة من جهتين (الأولى) أن موضوع هذه المسألة هو مطلق الفعل الصادر من المكلف سواء لم يكن له تعلق بموضوع خارجي أو كان له تعلق به أعم من أن يكون ذلك الفعل المتعلق به انتفاعا من ذلك العين أم لا وهذا بخلاف موضوع مسألة الحظر أو الإباحة فإنه مختص بالانتفاع المتعلق بالموضوع الخارجي في غير ما يتوقف عليه المعاش الضروري فموضوع مسألتنا أعم من موضوع تلك المسألة من وجهين (الثانية) ان المبحوث عنه في مسألتنا هو حكم العقل من حيث كونه مشكوك الحكم وهذا بخلاف المبحوث عنه في تلك المسألة فإنه حكم العقل من حيث هو وبعبارة أخرى المبحوث عنه في المقام هو البراءة أو الاحتياط من حيث كونهما مقتضى الأصل العملي (واما) المبحوث عنه في تلك المسألة فهو الحظر أو الإباحة
(١٦٥)