الظهور الاطلاقي منوط ومتعلق بعدم ورود البيان على خلافه والظهور الوضعي صالح للبيانية وللقرينية عليه وبمجرد تحقق الظهور الوضعي يرتفع أصل ظهوره الاطلاقي، إذ قد مر منا مكررا بطلان هذا التوهم بتقريب: ان عدم البيان الذي هو من جملة مقدمات الاطلاق انما هو عدم البيان متصلا بالكلام الذي يقع به التخاطب لا عدم البيان على الاطلاق ولو إلى آخر الدهر، وحينئذ فإذا لم يقم المتكلم في كلامه الذي أوقع به التخاطب قرينة متصلة به - كما في المقام - فلا جرم يستقر الظهور الاطلاقي لكلامه ومع استقرار هذا الظهور يتحقق التنافي والتعارض لا محالة بينه وبين ما ينافيه في كلام آخر منفصل عنه ومعه لا بد في تقديم أحدهما على الاخر من لحاظ أقوائية أحد الظهورين على الاخر ونتيجة ذلك هو الاخذ بما هو الأقوى منهما في مقام الحجية ورفع اليد عن حجية ظهور الاخر لا عن أصل ظهوره - كما في المقام - حسب ما قررناه من لزوم رفع اليد عن حجية ظهور قوله: (التراب أحد الطهورين) في قيام المصلحة بالجامع ووفاء التيمم بجميع ما يفي به الطهارة المائية من المصلحة.
ثم إن هذا كله بالنسبة إلى حيث ظهور دليل التيمم بمدلوله المطابقي في قيام المصلحة بالجامع، واما بالنسبة إلى حيث ظهوره بمدلوله الالتزامي في الأجزاء وعدم وجوب الإعادة والقضاء بعد ارتفاع الاضطرار والتمكن من استعمال الماء فيؤخذ بظهوره ذلك نظرا إلى عدم ظهور لدليل وجوب الوضوء على خلاف ظهوره يقتضى عدم الأجزاء ووجوب الإعادة، وذلك من جهة سكوته من جهة قابلية المقدار الباقي من المصلحة للاستيفاء وعدمه، وحينئذ فيكون ظهور دليل التيمم في الأجزاء ونفى الإعادة بمدلوله الالتزامي على حاله سليما من المعارض فيجب الاخذ حينئذ بظهوره ذلك ونتيجة ذلك حينئذ بعد هذا الجمع هو الحكم بالاجزاء وعدم وجوب الإعادة والقضاء ولكن بمناط المفوتية للمصلحة القائمة بالخصوصية، لا بمناط الوفاء بجميع ما يفي به الطهارة المائية من المصلحة.
ومن ذلك أيضا يترتب عليه حرمة التفويت بمقتضى قضية الامر بالخصوصية، فلا يجوز عليه حينئذ إراقة الماء عند دخول الوقت وجعل نفسه غير واجد للماء بإراقته وإن كان لو فعل ذلك يجزى ما أتى به من التيمم عن الطهارة المائية ولا يجب عليه إعادة الصلاة بعد ارتفاع الاضطرار ووجدان الماء، كما يشهد عليه أيضا إجماعهم على عدم جواز إتلاف الماء وإراقته بعد دخول الوقت خصوصا في فرض استمرار الاضطرار إلى آخر