تعليقة على معالم الأصول - السيد علي الموسوي القزويني - ج ٣ - الصفحة ٦١

____________________
فتحقيق المقال في ذلك أن يقال: إن من أطلق الطلب على الإرشاد إن أراد به ما ذكرناه في توجيه كلامه فلا كلام، وإلا ففيه منع واضح من القطع بخلو الإرشاديات عن الطلب بالمعنى الملحوظ في الوجوب والندب، وكونها يقصد بها مجرد الاراءة إلى طريق الوصول إلى المصالح المترتبة على الفعل، والهداية على سبيل التحرز عن المفاسد المتفرعة على الترك، من غير فرق في ذلك بين كون المصلحة من الأمور المتعلقة بالدين كما في أوامر الوعاظ ونحوهم، أو الأمور المتعلقة بالدنيا كما في أوامر الطبيب ونحوه، أخذا بما يساعده فهم العرف وضرورة الوجدان، مع أن ما ذكروه وجها للفرق ينتقض في عكسه بالنظر إلى الندب بأوامر السلطان وغيره من الموالي والمخدومين، فإنها في الغالب واجبات أو مندوبات مع عدم اشتمال شيء بما يرجع إلى الآخرة لانحصار مصالحها فيما يترتب على أمور دنياهم، وفي طرده بالنظر إليه بأوامر الوعاظ حسبما عرفت، وفي عكسه أيضا بالقياس إلى الإرشاد بمثل قوله تعالى: ﴿أطيعوا الله وأطيعوا الرسول﴾ (١) و ﴿اتقوا الله حق تقاته﴾ (٢) و ﴿فاتبعوني يحببكم الله﴾ (٣) و ﴿اعبد ربك﴾ (4) ونظير ذلك مما لا يعد ولا يحصى، ضرورة كونها من باب الإرشاد على ما يراه المحققون، ويرجحه النظر الدقيق القاضي بعدم كونها من باب الوجوب ولا الندب.
أما الأول: فللقطع بعدم تعدد العقاب في ترك الطاعة.
وأما الثاني: فللجزم بعدم تعدد الثواب في فعلها.
ومن المعلوم أن انتفاء اللوازم أقوى دليل على انتفاء الملزوم، مع أن الطلب من الشارع لابد وأن يتبع الصفة الكامنة في ذات المطلوب من حيث هو، والطاعة والتقوى والاتباع والعبادة ونحوها ليست إلا مفاهيم كلية اعتبارية منتزعة عن العنوانات المخصوصة التي تعلق بها الأوامر الحقيقية، فلا يكون فيها بخصوصها صفة أخرى زائدة على الصفات الكامنة في العنوانات المندرجة تحتها، فلا يتصور حينئذ حمل تلك الأوامر على أحد الوجهين، وإلا لانخرم قاعدتهم المتفق عليها المشار إليها، فلا يبقى ما يصلح لحملها عليه إلا الإرشاد وهو المطلوب مع عدم اشتمال شيء منها على المصالح الدنيوية.
وفي طرده أيضا بالقياس إليه بالأوامر الواردة مورد التقية، فإن الظاهر ورودها لمراعاة

(٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 51 52 55 58 59 61 62 63 64 67 70 ... » »»