تعليقة على معالم الأصول - السيد علي الموسوي القزويني - ج ٣ - الصفحة ٣٩٦

____________________
والسر في ذلك أن الوجوب عبارة إما عن الطلب المتأكد أو عن الطلب المتفصل بالمنع عن النقيض، وظاهر أن الطلب والمنع مفهومان فعليان (1) والمقيد قبل حصول الشرط خال عنهما، فيكون استعمال الصيغة فيما لا وجوب له بهذا المعنى مرادا بها الطلب التقديري المشروط بحصول ما يوجب عدم حصوله عدم تحقق الطلب الفعلي مجازا، لأنه حينئذ خلاف ما وضع له الصيغة.
فالاعتراض على ما ذكرناه من التبادر - بما في الهداية - من أنه تبادر إطلاقي حاصل من ظهور الإطلاق لكون التقييد على خلاف الأصل كما هو الحال في سائر الإطلاقات مما لا ينبغي الالتفات إليه، من جهة ابتنائه على قلة التدبر لوضوح الفرق بين محل البحث وسائر الإطلاقات، فإن المطلق والمقيد ثمة وصفان للفظ ويفارقان بحسب المعنى مفارقة اللا بشرط وبشرط شيء، وهنا وصفان للمعنى ويفارقان مفارقة بشرط شيء، وبشرط شيء مناقض للشيء الأول، لما اعتبر في مفهوم الأول من الطلب الفعلي وفي مفهوم الثاني من الطلب التقديري وهو ليس بفرد من الأول، وكونه فردا من الطلب المطلق لا يجدي لكونه قدرا مشتركا بين المفهوم الحقيقي والمفهوم المجازي، فلذا يصح لفاقد الشرط القول بأن الحج ليس بواجب علي، أي ليس بمطلوب مني طلبا حتميا مع ثبوت الطلب التقديري في حقه جزما، فلولا عدم كفاية الطلب التقديري في الصدق الحقيقي لما صح ذلك.
ومن البين أن المأخوذ في مفهوم الأمر ما هو من ماهية الطلب حقيقة والتقديري ليس منها فليس بداخل في مفهومها، فالمطلق والمقيد هنا متناقضان وفي المقيس عليه متصادقان، لكون الأول كليا صادقا على الثاني الذي هو من جزئياته ولو إضافيا، وإطلاق ثبوت الطلب في الأول من قسمي المقيس بالنسبة إلى حالتي وجود ما يظن كونه شرطا وعدم وجوده إنما هو من لوازم فعليته حين الخطاب لا أن الملحوظ حين الوضع هو الطلب المطلق، كما أن تقيد ثبوته بحالة وجوده في قسمه الثاني من لوازم تقديرية الطلب بخلاف المقيس عليه، فإن الإطلاق فيه من جهة كون المسمى بالوضع هو الماهية المطلقة والتقييد من جهة ما ينضم إليها مما يوجب تشخصها وكون ما يحصل منهما فردا لها والمقيد

(1) ولنا في تحقيق هذا المطلب كلام أوضح مما ذكر هنا أوردنا في البحث في حكم الواجب بالنسبة إلى النفسي والغيري وإن شئت فارجع إليه، لتنتقل إلى ما حقيقة المقصود ولقد ذكرناه بعد ما أجبنا عن دليل من يخاصمنا ثمة في دعوى كون الواجب مطلقا مجازا في الغير أيضا. (منه عفي عنه).
(٣٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 384 386 389 390 392 396 409 415 417 420 427 ... » »»