أن يكون الدينار كلمة وأس بضم الهمزة وتشديد السين بمعنى الأساس كلمة إلى غير ذلك واعلم أيضا أن الكتابة قد يتطرق إليها احتمال الاشتراك والنقل والزيادة والنقصان الأصليين فيصح التمسك في نفيها بالأصل مع الظن به وقد تتعارض الأحوال وتعرف وجوه الترجيح فيه مما مر في الألفاظ ولو تطرق إليها احتمال الغلط جاز التعويل مع ظن الصحة على أصالة عدمه فصل قد اشتهر بينهم أن الأصل في الاستعمال الحقيقة وأن الاستعمال أعم من الحقيقة والمجاز وبين هاتين القاعدتين بحسب الظاهر تدافع لكن لكل منهما مورد مخصوص فمن موارد القاعدة الأولى ما لو علم المعنى الحقيقي و جهل المراد فيحمل على المعنى الحقيقي عند التجرد عن القرائن لظهوره و رجحانه ولأن مبنى المحاورات عليه وهذا مما لا نزاع لاحد فيه و قد حكى الاتفاق عليه غير واحد منهم ولا فرق في ذلك بين أن يكون السامع مخاطبا باللفظ أو لا ومنها ما لو اتحد المستعمل فيه وجهل الموضوع له والمراد أن يتحد منه ما يحتمل أن يكون اللفظ حقيقة فيه وإن كان مستعملا في غيره أيضا إذا علم بكونه مجازا فالأكثر على أنه حقيقة في ذلك المعنى وربما نقل الاتفاق عليه لان ظاهر الاستعمال والمتبادر منه ذلك ولأنه إذا وجب حمل اللفظ على المعنى الحقيقي عند الجهل بالمراد وجب حمل اللفظ على ذلك عند العلم به أيضا إذ لا يعقل للعلم بالمراد وعدمه أثر في ذلك ويؤيده ما قيل من أن الحقيقة أرجح من المجاز لتوقفه على الوضع والعلاقة والنقل و القرينة والحقيقة إنما تتوقف على الوضع فالحمل عليها أولى وعن ابن جني أنه مجاز لان أكثر اللغات مجازات فإن أراد الأكثرية بحسب الاستعمال فممنوع لشهادة الوجدان على خلافه وإن أراد الأكثرية بحسب المعنى فمسلم لكنه لا يجديه لمعارضته بما هو أقوى منه من أكثرية الاستعمال في المعنى الحقيقي وبعض أهل العصر اشترط فيه التفحص والتتبع إلحاقا له بالخطاب الشرعي حيث إنه لا يكون دليلا للفقيه إلا بعد بذل الجهد والفحص عن المعارض وفيه نظر لأنه إن ادعى عدم حصول الظن بالموضوع له بمجرد الاستعمال فورود المنع عليه ظاهر وإن ادعى عدم حجية الظن الحاصل منه ما لم يحصل العجز عن تحصيل ما هو أقوى منه بالتتبع والفحص فمدفوع بعد مخالفته لظاهر كلمات القوم بأن ما دل على حجية مثل هذا الظن في مباحث الألفاظ من إجماع أو غيره إن اقتضى حجيته مطلقا فلا وجه لتخصيصه في المقام بهذا الاشتراط وإلا فلا وجه لتخصيص هذا الاشتراط بالمقام ولعله يعمم الاشتراط وإن تعرض لذكره في خصوص المقام وهو قوي ويمكن تنزيل كلمات القوم على وجه لا ينافيه وتوقف الفاضل المعاصر بين الحمل على الحقيقة والمجاز نظرا إلى أن المجاز متداول وشائع ولا يتوقف إلا على مجرد ثبوت الوضع كالحقيقة فلا مرجح لأحدهما وفيه ما عرفت على أن المتداول الشائع هو سبك المجاز عن الحقيقة إذ المجاز الذي لا حقيقة له لا حقيقة له وإن قلنا بجوازه سلمنا لكنه نادر جدا فيبعد حمل الاستعمال عليه والتزام حقيقة غيره يتوقف على سبق الاستعمال فيه والأصل عدمه وكان هذا الأصل هو الذي دعاه إلى اعتبار منع توقف المجاز على الحقيقة وظني أنه لا حاجة إليه لان الغالب سبق الاستعمال و كونه في هذا المعنى ليس بأولى من غيره فلا يتوقف على المنع المذكور فتدبر ومنها أن يتعدد الموضوع له والمستعمل فيه ويتحد الوضع ويكون بعض موارده بحيث يحتمل أن يكون داخلا في الموضوع له بأن يكون المعتبر فيه المفهوم الأعم فيكون حقيقة فيه و يحتمل عدمه بأن يكون المعتبر فيه المفهوم الأخص فيكون مجازا فيه فيبنى على الدخول وأن المعتبر هو المفهوم الأعم لأصالة الحقيقة المجردة عن المعارض فإن أصل الاستعمال ثابت والكلام في تعيين مورد الوضع فينهض ظاهر الاستعمال دليلا على تعيين الأعم و يؤيده أصالة عدم ملاحظة الخصوصية حيث يتوقف ملاحظة الخاص على ملاحظته كما لو ترددنا بين أن تكون أداة الاستثناء موضوعة لخصوصيات مطلق الاخراج أو إخراج الأقل فقط فيرجح الأول لما مر وأما أصالة عدم تحقق الوضع في مورد الشك فلا يصلح معارضا للأصل المذكور لأنه ظاهر فينهض حجة عليه هذا ولم أقف منهم على كلام فيه نعم ربما يؤذن مقالتهم في المورد السابق بالموافقة لما ذكرناه ومنها ما لو استعمل اللفظ في معنيين لا يكون بينهما علاقة التجوز فيحتمل الاشتراك بينهما وأن يكون موضوعا لمعنى ثالث أو لمعنيين آخرين فيستعمل فيهما مجازا والمعتمد الأول لان ظاهر الاستعمال يعين الوضع للمستعمل فيه وينفيه عن غيره فيلزم تعدده فيهما دفعا للزوم الغلط وكذا الحال فيما لو تعدد المستعمل فيه و تحققت العلاقة في جانب دون آخر وعلم بالوضع لذي العلاقة في جانب دون آخر وعلم بالوضع لذي العلاقة كاللفظ المستعمل في الكل وفي الجز الذي لا ينتفى بانتفائه إذا علم الوضع للجز فيبنى على الاشتراك بينهما لما مر ومنها ما لو جهلنا وضع اللفظ ووجدناه تارة مستعملا بغير قرينة وأخرى محفوفا بها وجوزنا أن يكون المراد به في الاستعمالين معنى واحد فعلى ما مر يكون الاستعمال حقيقة في الموضعين والمعنى واحد أو يجري فيه النزاع المتقدم ومورد القاعدة الثانية أن يتعدد المستعمل فيه ويجهل الموضوع له أو يعلم الوضع في البعض ويجهل في الباقي ويكون بحيث يحتمل الاشتراك والمجازية لوجود العلاقة المعتبرة وهذا القيد لا بد من اعتباره وإن لم أقف على من يعتبره إذ بدونه يتعين المصير إلى الاشتراك لامتناع الحمل على الغلط وبعد ثبوت الوضع لما لم يثبت الاستعمال فيه وقد مر ذكره في بعض موارد القاعدة السابقة فالسيد يبني في ذلك على الاشتراك ويجعل استعمال اللفظ في المعاني المتعددة كاستعماله في المعنى الواحد من غير فرق والأكثر على أن المجاز أولى من الاشتراك وأن الاستعمال أعم من الحقيقة والمجاز بمعنى أن الاستعمال في مثل المقام بمجرده لا يقتضي شيئا منهما وهذا هو الحق لان الاشتراك يتوقف على تعدد الوضع فحيث لا دليل عليه فالأصل عدمه وأيضا سبب التجوز معلوم الحصول بخلاف سبب الاشتراك للشك في الوضع و إسناد المسبب المعلوم إلى السبب المعلوم أولى من إسناده إلى سبب غير معلوم والفرق بين متحد المعنى ومتعدده أنه على تقدير الاتحاد لا ريب في ثبوت أصل الوضع من حيث توقف صحة الاستعمال عليه فيبقى تعيين الموضوع له فيصلح الاستعمال دليلا على تعيينه بخلاف صورة التعدد
(٤١)