حقيقة فيه حتى يلزم الدور وهذا حاصل كلامه بعد التنقيح وهو فاسد أما في المجاز فلان مجرد صحة سلب بعض المعاني الحقيقية عنه لا يستلزم أن يكون مجازا بالنسبة إليه ولو مجازا ثانيا بل يتوقف على وجود العلاقة مثلا صحة سلب العين بمعنى الذهب عن الميزان لا يقتضي أن يكون العين بمعنى الذهب مجازا فيه لعدم العلاقة المصححة والعجب أنه تفطن لهذا الاشكال فأورده على وجه السؤال وأجاب عنه بأنه إنما يرد لو أردنا كونه مجازا عنها بالفعل وأما إذا كان المراد كونه مجازا بالنسبة إليها لو استعمل فيه فلا يرد ذلك وهو كاف فيما أردناه هذا لفظه أقول لا خفاء في أن قوله لو استعمل فيه إنما يدفع السؤال إذا أراد به الاستعمال على الوجه الصحيح كما هو الظاهر بأن يكون هناك علاقة مصححة فيكون محصل كلامه بعد التصحيح أن صحة سلب اللفظ باعتبار أحد معانيه عن مورد الاستعمال علامة لمجازيته فيه على تقدير وجود العلاقة ووقوع الاستعمال بحسبها وفيه ما لا يخفى لان العلامة حينئذ إنما تفيد كون الاستعمال فيه مجازا شأنيا على تقدير مجهول إذ لم يعتبر العلم بالعلاقة في العلامة وظاهر أن الغرض من العلامة تعيين أحد القسمين وإلا فالعلم الاجمالي لا يحتاج إلى إعمال علامة لا يقال إذا صح سلب اللفظ باعتبار معناه الحقيقي عن مورد الاستعمال كان ذلك آية كونه مجازا فيه في الجملة ولو مجازا شأنيا ولا حاجة إلى اعتبار صحة استعماله فيه باعتباره ولا إلى اعتبار أن يكون هناك علاقة لأنه حينئذ لا يخلو إما أن يكون مشتركا بينهما أو لا فإن كان الثاني كان مجازا فيه مطلقا وإن كان الأول فلا أقل من أن يكون مجازا فيه إن أول اللفظ بالمسمى حال جعله مثنى أو مجموعا أو منكرا وإن لم يجز مطلقا لعدم العلاقة كذلك لأنا نقول مثل ذلك لا يتعلق مقاصد العقلا باستعلام حاله بعلامة مستقلة كما لا يخفى سيما مع إمكان تحريرها على وجه يعم سائر الأقسام وأما في الحقيقة فلانه إن أراد بالحقيقة التي التزم توقف عدم صحة السلب عليها ما جعل عدم صحة السلب علامة لها فلزوم الدور ظاهر وإن أراد غيرها فظاهر إذ لا توقف هناك لان العلم ببعض معاني المشترك لا أثر له في العلم ببعض آخر ولئن نزل كلامه على إرادة أن الكلي إذا أطلق على الفرد كالانسان بمعنى الحيوان الناطق على البليد فعدم صحة سلبه عن البليد يتوقف على العلم بأنه حقيقة في الحيوان الناطق ولا يتوقف العلم بهذا على العلم بعدم صحة سلبه عن البليد لتوجه عليه أن إطلاق الكلي على الفرد إن كان باعتبار الخصوصية فمجاز قطعا وإن كان باعتبار الكلي المتحقق في ضمنه فذلك في الحقيقة إطلاق اللفظ على معناه الكلي إذ معنى الانسان الذي أطلق عليه البليد بهذا الاعتبار ليس إلا الحيوان الناطق فعلى ما التزمه من توقفه على العلم بأنه حقيقة في الحيوان الناطق يتوجه الدور اللهم إلا أن يريد حينئذ أن المقصود من هذه العلامة استعلام حال الفرد باعتبار وجود الكلي في ضمنه وعدمه فيرجع إلى الجواب الآتي وقد عده غيره و ربما أمكن الفرق بأن المقصود بالعلامة على الجواب الآتي استعلام حال الفرد فقط وعلى هذا الجواب استعلام ما هو أعم من ذلك فيدخل فيه مثل إطلاق الناطق على الانسان لكن يتجه عليه الاشكالات الآتية فيه ومنها ما ذكره هذا المعاصر أيضا وهو أن المقصود بهذه العلامة استعلام الحكم في الافراد المشكوكة كما لو علمنا بأن للماء معنى حقيقيا ومعنى مجازيا وشككنا في بعض الافراد أنه يندرج تحت الأول أو الثاني فيستخبر الحال بالقاعدة المذكورة أقول وفيه خروج عن محل البحث فإن الكلام في العلامة التي يعرف بها المعنى الحقيقي والمجازي لا ما يعلم بها تحقق المعنى الحقيقي في ضمن الفرد وعدمه على ما يقتضيه ظاهر بيانه إلا أن يقال إن المقصود من ذلك استعلام حال الاستعمال في الفرد فلا يخرج عن محل البحث لكن يرد عليه مع عدم ملائمته لظاهر المقام أو عدم نهوضه بدفع الاشكال بتمامه مضافا إلى مخالفته لما مر في دفع الاشكال السابق من اعتبار السلب بالحمل الذاتي أن إشكال الدور وارد على ظاهره أيضا لان العلم بصحة السلب أو عدمها من الفرد المشكوك فيه يتوقف على العلم بخروجه عن المعنى الحقيقي أو بدخوله فيه فلو توقف العلم بذلك على العلم بصحة السلب أو عدمها فتدبر هذا والذي اختاره في الجواب أن يقال المقصود بالعلامة إنما هو تحصيل العلم التفصيلي بالحقيقة والمجاز وهو لا يتوقف على العلم بالوضع وعدمه فضلا عن توقفه على العلم التفصيلي به إذ كثيرا ما يعلم ذلك من تنصيص أهل اللسان العارفين بطرق المقال أو شهادة الوجدان عن الخبير بكيفية الاستعمال والثاني هو الغالب المتداول فإن قلت حكم الوجدان بصحة السلب وعدمها يتوقف على العلم بالوضع وعدمه ضرورة أن دلالة الألفاظ ليست ذاتية كما توهمه ابن عباد في ظاهر ما نسب إليه فلو توقف العلم بالوضع وعدمه على ذلك لزم الدور وأيضا قلت لا ريب في أن معنى اللفظ كثيرا ما يثبت في النفس ويتقرر فيها على الوجه المتقرر عليه عند أهل العرف لكثرة مصادفته في المحاورات وموارد الاستعمال ولو بمعونة القرائن والامارات لكن على نوع من الخفاء وضرب من الاجمال فإذا أريد تبيينه وتعيينه احتيج إلى إعمال العلامة فالعلم التفصيلي يتوقف على اعتبار العلامة وهي إنما تتوقف على العلم الاجمالي كما مر في التبادر فلا دور فإن قيل هذا التوجيه لا يتجه في هذه العلامة فيما يعتبر فيه السلب بالحمل الذاتي فإن السلب لا يعتبر بين المعنى واللفظ إذ لا شك في صحته دائما ولا بينه وبين مفهوم المعنى لوضوح صحة السلب بالنسبة إلى غير المعنى دائما بل يعتبر بينه وبين معناه الغير التأويلي فيتوقف العلم بعدم صحة سلب المعنى عن المعنى المبحوث عنه على العلم بأنه المعنى الغير التأويلي للفظ ولا ريب أن العلم بهذا هو العلم بكونه معنى حقيقيا فيعود إشكال الدور فنقول نختار القسم الأخير ونمنع لزوم الدور بما ذكرناه من الفرق بين العلم الاجمالي والتفصيلي لان العلم بعدم صحة سلب المعنى الغير التأويلي عن المعنى المبحوث عنه
(٣٧)